Polygamy Between Revelation Facts and Misleading Slanders
تعدد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل
Publisher
دار القلم للتراث
Edition Number
الثانية-١٤٢٣ هـ
Publication Year
٢٠٠٤ م
Publisher Location
القاهرة
Genres
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: تعدُّد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل
المؤلف: العلامة الشيخ / محمود غريب
الناشر: دار القلم للتراث - القاهرة
الطبعة: الثانية، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٤ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
1 / 2
من الأدب الرمزي
قال حيران بن الأضعف:
عجبت من صديقي. ظلَّ يُصرُّ على عدم الزواج ويرفضه بشدة،
فلما تزوج عدد الزوجات!!
فماذا وجد صديقي في الزواج حتى عدَّد الزوجات؟ !!
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبي المصطفى.
ثم أما بعد. . .
فقد شهدت أسواق الفكر المعاصر أعمالًا فكريةً أصيلةً لكُتَّابٍ (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، جمعوا بين العمق في الفكرة والجمال في العرض وحسن البيان. (مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)، بل أكثرهم - نسأل الله أن يعوِّض عنهم خيرًا.
وأن يبارك في (مَنْ يَنْتَظِرُ) .
وظهر في أسواق الفكر أعمال ورجال نحسن الظن بهم جدوا وسهروا لتقريب كتب التراث "الأمهات" للقارئ، وهو عمل مشكور إذا أحسنوا تجريده من الإطالة، والإسرائيليات وما مضى عصر صلاحيته. ولا يمثل ضرورة فكرية مما قيل عنه: علم لا ينفع والجهل به لا يضر - في عصرنا.
بقي صنف أخيرٌ أجاد تحريفَ الحقِّ والزيغَ به إلى ساحة الإضلال، والإضلال - كما تعلم - يأتي بعد تمكن الضلال.
ومرحلتهم هذه تأتي بعد سقوط مرحلة الغزو الصليبي العسكري بعد مرحلة الغزو الفكري عن طريق المستشرقين.
لقد فشلت مرحلة المستشرقين لعدم ثقة المسلم في كلامهم مهما حاولوا إظهار الحياديَّة وادعاء الموضوعيَّة.
فاختاروا من أبناء البلاد من يحمل عقلًا علميًا كبيرًا ويسَّروا له الطريق للمؤهلات العليا، والضوء الإعلامي، والتمكين في الأراضي.
اختاروهم ليتمِّموا المسيرة. وينشروا دين الهوى، ويفسدوا دين الحق.
1 / 4
وسادتهم وقادتهم من ورائهم يسهرون، تفرَّغوا للدفاع عنهم باسم حريَّة الرأي.
يقولون: ألم يكفل الإسلام حريَّة الرأي؟ وحرية الاعتقاد؟
لماذا يحاول علماء الإسلام إغلاقَ باب الحق عليهم. وحدهم؟
ألم يختلف قديما المعتزلة مع أهل السنة؟ وتحمَّل الإسلامُ وأئمَّتُه تكاليفَ المعركة، ولم يحكم بكفر أحد من الطرفين.
وفي عصرنا ألم يختلف السلفية مع المتصوفة وتحمَّل الإسلامُ، ووسع الطائفتين؟
فلماذا لا تقبلون أفكار العَلْمانيين كما قبلتم من قبل أفكار الغزالي وابن رشد والفلاسفة؟
كلام طويل خلاصته إن أسواق البهائم تعرض فيها الغزلان والخنازير، فلا يصح باسم الإسلام أن تُغلقوا الأسواق أمام الغزلان ولا الخنازير.
وبعد:
فهذه رسالة صغيرة في موضوع كبير. كثر فيه الرأي والرأي الآخر.
وهو موضوع "تعدد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل".
وقد حاولتُ أن أدافع عن حقائق الإسلام من غير أن أدعو إلى تعدُّد الزوجات الذي أدافع عنه. ولا أن أرغِّب فيه واكتفيتُ بالفطرة.
فالإسلام أباح التعدُّد ولم يأمر به.
واللَّهَ أسألُ أن يمتعنا بالحق، ويجعلنا من جنوده وأنصاره. إنه المستعان.
محمود غريب
سلطنة عمان - صلالة
ص ب: ٥٩٣
ليلة النصف من شعبان المبارك ١٤٢٣ هـ
1 / 5
تعدد الزوجات في الشرائع السابقة
* تعدُّد الزوجات تشريع قديم أباحته كل الشرائع السابقة على الإسلام.
يقول نيوفلد في كتابه "قوانين الزواج عند العبرانيين الأقدمين" يقول:
"إن التلمود والتوراة معًا قد أباحا تعدُّد الزوجات على الإطلاق وإن كان بعض الربانيين ينصحون بالقصد من تعدُّد الزوجات".
* ثم جاءت المسيحية ولم تتوسع في في الجوانب الاجتماعية، وإنما اكتفت بالتشريعات السابقة في هذا الشأن لأن السيد المسيح قال:
ما جئت لأنقض الناموس. فبقيت شريعةُ التوراةِ المبيحة للتعدُّد شريعةً للدين الجديد (١) .
* ثم جاء الإسلامُ فلم ينشئ تعدُّد الزوجات ولكنه قيَّده، وأصلح ما دخل فيه من فساد بسبب الفوضى، وجعله حسب الضرورات، فلم يحرم الإسلام أمرًا تدعو إليه الضرورة، ويجوز أن تكون إباحته خيرًا من تحريمه في بعض الظروف الأُسْريَّة، وبعض الظروف الاجتماعيَّة العامة (٢) .
مدخل ومناقشة:
زيادة عدد النساء، ومتوسط، بسبب تعرض الرجال - عادة للحروب ومشكلات العيش، وتكاليف الحياة، هو السبب في إباحة تعدُّد الزوجات.
ونحن جميعا نعلم أن الإسلام لم يبح لأحد أن يرغم المرأة على الزواج من رجل له زوجة أو أكثر، فهي التي تختار، سواء كانت بكرًا أم ثيِّبًا.
ومن ناحية الزوجة الأولى لا يستطيع أحدٌ إرغامَها على البقاء - إن شاءت عاشت،
_________
(١) (المرأة في القرآن / عباس محمود العقاد. ص: ٧٥)
(٢) (إنجيل متى إصحاح. ١٧)
1 / 6
وإن شاءت طلبت الخلع، وربما كانت الزوجة الأولى هي السبب في الزواج عليها. كما ستعرف.
لعُقْمٍ، أو مرضٍ، أو سفرٍ طويلٍ للعمل، أو للدراسة، وبعض الناس لا يقوى على تحمُّل مثل هذا بغير زوجة، وقد يكون التعدُّد لمصلحتها.
لمصلحتها فعلًا، فقد يطلق الرجل زوجته ويتزوج غيرها، ثم يرى أن يعيدها لعصمته صيانةً لأولاده، وحفظًا لهم، أليس من الأفضل أن يراجعها؟ !
وأيُّ ذنب للزوجة الجديدة حتى يطلقها؟ فالله يشرِّع لعباده وهو أعلم بما يصلحهم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .
حوار هادئ:
قال لي صديقي: إن تعدُّد الزوجات يسبب المعاداة بين بني العائلات - يعني أبناء الرجل من زوجات متعددات.
قلتُ له: سوء التربية ممكن أن يجعل الأشقاء في خلاف وشقاق.
والتربية على الحب تقرِّب بين من لا نسب بينهم (١)
قال: هل نترك المجتمع لظروف التربية؟
لا بدَّ من تشريع يضبط من لا ينضبط بالحبِّ والقيم الأخلاقية.
قلتُ له: هل تريد قانونا يمنع المرأة التي مات زوجها من الزواج مخافة أن تنجب فيحدث صراع بين أولادها من الزوج الأول والجديد؟
_________
(١) أنا أسطر هذه السطور نشرت الصحف المصرية أن أمين شرطة بالزقازيق أطلق النار على إخوته وأخواته وأمِّه.
فهل هذه الجريمة التي اهتزَّ لها القلب بسبب تعدُّد الزوجات؟؟ !!!.
1 / 7
وهل تريد قانونا يمنع الرجل الذي ماتت زوجته أو طلقها حرمان الزواج بامرأة جديدة تنجب له أولادًا أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفات؟
قال: ولكن القرآن اشترط لجواز التعدُّد القدرة على العدل بينهن، (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) .
وأثبت القرآن عدم قدرتنا على العدل بين النساء (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) .
فالمعنى المستفاد من الآيتين هو منع التعدد.
أظنُّك من الأدب والإيمان بحيث لا تدعي أنك أعمق فهمًا. للإسلام من أبي بكر وعمر وعثمان وخالد وكبار السلف ﵃ فقد عدَّدوا الزوجات في حضور النبي ﷺ ولم ينههم.
وسكوته ﷺ إقرارٌ، وإقرارُه تشريعٌ.
قالوا: يمكن للقانون أن يمنع التعدُّد على الأقل في أيام السِّلْم احتراما للمرأة ومشاعرها.
قلتُ: على رأيك هذا القانون سيحول بين المرأة التي ترغب أن تكون زوجة ثانية وبين تحقيق رغبتها. فهل المنع لصالح المرأة أم لعذابها؟
إن الزوجة الأولى قد تكون عقيمًا. أو مريضة أو مسافرة سفرا طويلًا.
فمن الخير لها أن تبقى زوجة بدلًا من طلاقها. ومع ذلك الخيارُ لها.
والمرأة تكون معطلة عن الحياة الزوجية أيام الحيض، وقد تصل إلى عشرة أيام في الشهر، وتحرم على زوجها أيام الولادة والنفاس، وقد تصل إلى شهرين.
1 / 8
وبعض الرجال لا يقوى على تحمل هذا.
* وقد يطلّق الزوج زوجته ويتزوج غيرها، ثم يرى أن يعيدها لعصمته رعاية لأولاده، أو حبًّا فيها، فتعددّ الزوجات يقلل من الطلاق. لمثل الزوجة الجديدة. إذا رغب في العودة لزوجته الأولى.
* وفي أعقاب الحروب يجب أن يكون التعدُّد حلًّا لمشكلة أرامل الشهداء ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
فأكثر الأمهات المؤمنين من أرامل الشهداء.
وقد يموت أخوهُ ويترك يتامى وزوجة أرملة هي أم اليتامى.
لا يستطيع أن يشرف على تربية أولاد أخيه. ولا يمكن التردد على بيته حذرًا من الفتنة، أو من كلام الناس.
فليعقد على أرملة أخيه من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" ورعاية أطفال أخيه واجب. وأسباب أخرى كثيرة، والأيام حبالى يلدن كل عجيب.
أما فهم الآيتين فسوف نحاول فهمها بشي من التفصيل في حواري مع الدكتور مراد هوفمان الألماني، والمهندس محمد شحرور - إن شاء الله.
* * *
هل تعدُّد الزوجات يمثل ظاهرة في بلادنا؟
تقول الأرقام - وهي - إن لم تكن حسابية فهي بلاغية تقول: إن عدد الذين يجمعون أكثر من زوجة واحدة لا يزيد عن ٤%. ولا تكاد تذكر نسبة الذين يجمعون ثلاثة أو أربعة. وتقل النسبة كلما انتشر التعليم.
1 / 9
فالتعليم المتوسط حوالي ٢.٨% بينما تقل هذه النسبة لمن أتم التعليم العالي فتصبح ١.٤% ومن درس بعد الجامعة فالنسبة تصل إلى ثلاثة في الألف.
ومما يجب أن نذكره أن أولاد الزنا يكثرون في البلاد التي تُحرّم تعدُّد الزوجات. وفي مجلة حضارة الإسلام الجزء الثاني ص ٣٦٥ عام ١٩٦١ إحصائية لأولاد الزنا ففي فرنسا بلغ عدد أولاد الزنا ٣٠ في الألف، وفي بروكسل ٦٠ في الألف. وفي السويد يولد طفل غير شرعي بين كل عشرة أطفال. وفي أمريكا ولد مائتان وعشرون ألف طفل غير شرعي عام ١٩٥٩. يعني ٥٢ في الألف.
فمن حجر على تعدُّد الزوجات بقوة القانون لم يستطع أن يحجر على أسواق الخليلات الرخيصات.
وفي بلد قُبض على رجل وقدم للقضاء بتهمة تعدُّد الزوجات. فأثبت محاميه أن موكله لم يُعدِّد إنه يزني. فبرّأه القضاء.
برأه لأن القانون الفرنسي المعمول به في بعض البلاد العربية لا يعاقب على الزنا ولا يحرمه إلا إذا خانت زوجها أو أخذت أجرًا على الزنا. فإذا انتفى شرط الزواج أو كانت تزنى بدون أجر فلا جريمة ولا عقاب.
حتى لو كانت متزوجة فالحق لزوجها. إن شاء طلب معاقبتها بتهمة الخيانة الزوجية. وإن شاء عفا عنها. وبعض بلاد محمد ﷺ تحتكم لهذا القانون.
ونسأل:
الزوجة الواحدة مسؤولية كبيرة وحمل على الرجل ثقيل.
فما بال بعض الناس يعدِّد الزوجات؟
1 / 10
لابد من سرٍّ في الموضوع لا يعرفه الذين يعارضون تعدُّد الزوجات. والذين لم يدخلوا تجربة التعدُّد قالوا: إنها لإشباع الشهوة.
يقول أستاذي الإمام محمد أبو زهرة: وهبْ أن التعدُّد شُرع لتنظيم هذه الشهوة، فإن القضية منتهية بلا ريب إلى الموازنة بين زواج وسفاح، أي الطريقين أهدى سبيلًا؟ !!
* إن الذين يُحرمون تعدُّد الزوجات يبيحون نظام الخليلات في جرأة ووقاحة. ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ﴾ أن تعيش المرأة مع نصف رجل، يتحملها إذا أصابها الشيب، وانصرف عنها الأخلاء، أم أن تعيش حياتها مدلَّلة يُقبلون يدها على المساهر الليلية، حتى نودع شبابها فينصرفون عنها؟
* وهل تعيش الخليلة وحدها أو يُعدد الرجل الخليلات؟
لا أعرف قانون بلد منع تعدُّد الزوجات ومنع تعدُّد الخليلات فإذا أباحوا تعدُّد الخليلات فتعدد الزوجات أولى وأطهر.
الإسلام قيد التعدُّد:
التشريعات السابقة على الإسلام أباحت تعدُّد الزوجات. حتى الأنبياء منهم عدَّدوا الزوجات. والتوراة التي بين يدينا تخبر أن دواد ﵇ تزوج ثلاثمائة حرة....
وفي الجزيرة العربية عدَّد الرجال الزوجات قبل الإسلام من غير تقيد بعددٍ.
فالإسلام قيد المباح من ناحية العدد،
1 / 11
وقيده من ناحية الواجبات التي فرضها على الزوج وحسب أنه لا يبيت حيث يريد: ولكن حيث يريد له الواجب.
وليس له خيار في الإنفاق فهو ملزم ديانة وقضاء على الإنفاق على من يتزوج بهن. وإذا كان القاضي لابد أن يكون منصفًا. وإذا كان الإنصاف أن يعطي كل خصم نصفه. فالزوج مطالب بالإنصاف بين الزوجات.
"يأتي يوم على القاضي العادل يودُّ لو لم يحكم بين اثنين في تمرة"
القاضي العادل.
والتركة تمرة.
والنساء أقدر على إمالة القلوب من كل تمر الدنيا بل وذهبها.
من هنا خفف الله عنا فلم يطلب العدل المطلق بين الزوجات. فقد اعتذر النبي ﷺ لربه عن المطلق "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"
واكتفى القرآن بالعدل النسبي: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ وإذا عجز المسلم عن العدل بينه وبين الزوجات الأربعة فليتزوج من يقدر على العدل بينهن.
وواحدة أفضل.
وإذا عجز عن العدل بين نفسه وبين زوجة واحدة فالأفضل عدم الزواج ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾
1 / 12
قال علماؤنا: من خاف على نفسه من الزنا إذا لم يتزوج، وخاف على المرأة من الظلم إذا تزوج فالأفضل عدم الزواج.
لأن الفاحشة يمكن دفعها بالصوم وزيادة نصيب النفس من مخافة الله. ولا يمكن إصلاح ظلم المرأة - كما قلت.
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى):
وأهم ميادين العدل الذي أوجبه الله العدل في القسمة بين الزوجات، بما تيعلق بالمبيت. طلبًا للأنس النفسي، وهو غاية من غايات الزواج، بل من أهمها.
ولا علاقة بين المبيت وبين المعاشرة الزوجية. لجواز امتناع المعاشرة من إحدى الزوجات لعذر شرعي، أو عادي. كالحيض والنفاس أو لمرض خلقي أو طارئ، لأن المبيت للمؤانسة. والله ﷾ يقول ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ وللسكنى النفسية ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾
والسكنى النفسية لا تتحق مع الفرقة المتعمدة في السكن والفراش.
* وللزوج أن يتخذ مسكنًا مستقلًا له يقيم فيه وحده. ولكن ليس له أن يجعل سكنه الدائم في بيت إحدى زوجاته، لأنه بذلك سوف يحْرِمُ الأخريات من حقِّ القِسْمة.
* وأفتى العلماء أن للزوجة الجديدة في أول الزواج ثلاثة أيام إذا كانت ثيِّبًا، وسبعة أيام إن كانت بكرًا، ثم يرجع إلى القسمة العادلة بين الزوجات.
1 / 13
ولم يقل أبو حنيفة بذلك، وقال: إن مكث عند الزوجة الجديدة أياما فلا بدَّ أن يبيت مثلها عند زوجاته.
وللزوجة أن تتنازل عن ليلتها للزوجة الأخرى، فقد تنازلت أم المؤمنين "سودة بنت زمعة" عن ليلتها لعائشة ﵄ لمَّا كبرت "سودة" والحديث في البخاري وطبقات ابن سعد.
وفي مثل هذا التنازل يُشترط قبولُ الزوج لهذا التنازل، ولا يشترط قبول الموهوب لها.
وسبب ضرورة قبول الزوج أنه قد يفهم تنازلها على أنه نوع من الفرار منه، فهو يكره هذا لحبِّه وحاجته إليها.
أما عدم اشتراط قبول الموهوب لها؛ فلأنَّ الزوج يمارس حقَّه معها، فلا يحتاج لإذنها وموافقتها.
* وفي صحبة السفر كان النبي ﷺ يجري القرعة بين نسائه.
وإذا كان السفر لا يصلح فيه زوجة بعينها كان تسافر للعلاج، أو يختارها لعلمها بدقاق اللغة في البلاد التي يسافر إليها. أو لأسباب أخرى فلا مانع من السفر بها بدون قرعة.
العرض المادي هل يُسقط القسمة؟
الإسلام جعل موضوع العدل في القسمة موضوع عدل بين الناس. ومخالفة حاكم جائر ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ وكثيرًا ما استخدم القرآن كلمة العدل في موضوع النساء.
1 / 14
* فهل يجوز للرجل أن يدفع الظلم من نفسه في موضوع المبيت.... لصاحبة الحق؟
* وهل يجوز لزوجة أن تدفع لزوجها ليعطيها ليالي أكثر من الزوجات الأخريات؟
* أو تعطي ضرتها من المال ما تشتري حقها في المبيت؟
الجواب الأول: إذا أعطيت المرأة مالًا لزوجها لتحصل على حقوق الزوجات الأخريات فهي تدفع رشوة، وتعينه على الظلم.
المساواة في غير القسمة:
قرأت أكثر ما وقع تحت يدي من كتب الفقه في موضوع ضوابط المساواة بين الزوجتين أو مجموع الزوجات ولم أسترح لأكثر ما قرأت من اجتهاد ... لاختلاف العصر مما يتبعه. من تغير - فبعض المذاهب كالحنابلة والمالكية يؤيد صعوبة التسوية بين الزوجات في النفقة. فبعض الزوجات ذات أولاد، وبعضهن شابة لها متطلبات أكثر وبعضهن مرضى يلزمهن نفقات العلاج، أو طالبة يلزمها ما يلزم زميلاتها من تكاليف الدراسة. ومن تعيش في الريف لا يلزمها ما يلزم ساكنة المدينة.
فهل يكون العدل المطلوب هو المساواة بينهن في توزيع الراتب؟ أم المراد بالعدل عدم الجور؟
أعني لكل حسب حاجتها.
1 / 15
ودعاؤنا للزوج بعد ذلك أن يكون الله معه فقد حمَّل نفسه كثيرًا.
وهو وحده يدفع الثمن.
وفي مذهب الأحناف خلاف بين الواجب عليه نحوهنَّ.
ففي "بدائع الصنائع" يجب عليه أن يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والسكن.
بينما يرى الفقيه الحنفي ابن عابدين أن إحداهما قد تكون غنية والأخرى فقيرة فلا يلزم المساواة بينهما مطلقا في النفقة.
قال: وعليه الفتوى.
والذي أرتاح له أن مسألة النفقات تختلف من زوجة إلى زوجة أخرى في عصرنا - في غير الضروريات والحاجيات، فالزوجة التي تعيش في الريف لا يلزمها كل ما يلزم نساء المدينة، كما ذكرنا. وللمريضة والطالبة وأم الأولاد نصيبها.
فليحاول أن يبرئ ذمته. والله في عونه.
والمساواة في كتب فقه الأصول تنصُّ على فروق مادية سهلة، كحفنة من القمح أو مثلها من الشعير أو قطف عنب.
ومعلوم أن هذا هو الحدُّ الأدنى.
ولا نهمل حالة الزوج الذي يقوم بهذا الحِمْلِ وحده، ونساء النبي ﷺ كان منهن بنات ملوك، وبنات شيوخ عشائر، كالسيدة "صفية بنت حيي بن أخطب" - ملك اليهود -، والسيدة "جويرية بنت سيد بني المصطلق"، و"أم حبيبة بنت أبي سفيان" - بنات ملوك وقادة، ومع ذلك كن يعشن في عيشة واحدة متقاربة.
وقد ناقش الدكتور "أحمد علي طه ريَّان" الموضوع مناقشة واسعة في كتابه "تعدد الزوجات" وناقشتُه من قبل في "زواج النبي ﷺ ١٩٧٣ م " مع طلاب جامعة القاهرة.
1 / 16
متاعب التعدُّد وموضوع الغيرة:
لو كانت متاعب التعدُّد للزوجات تقف عند ضرورة أن ينام حيث يفرض عليه الواجب، ويلتزم بينهما في النفقة على ما بينا. ربما هان الأمر.
ولكن المطلوب أبعد من كل هذا وأشدُّ.
موضوع الكلمة يحاسب عليها، وبشاشة الوجه،
وأفعال الغيرة. وما أدراك ما الغيرة؟
لقد سيطرن حتى على أمهات المؤمنين، مع أن القرآن الكريم قال عنهن: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾
وسبب شدة غيرتهن أن الرجل كلما كان عظيمًا كلما زادت غَيرةُ الزوجات عليه، فكيف إذا كان الزوج هو النبي ﷺ الذي جمع الله فيه محاسن الأمة ليكون قدوة لها في كل كمال.
لقد كان النبي ﷺ يربي نساءَه، ويُعِدُّهنَّ لأمر عظيم.
عندما دخلت هالة - أخت السيدة خديجة ﵂ على النبي ﷺ فبش لها وقال: اللَّهُمَّ هَالَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَغِرْتُ فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا"
في مسن الإمام أحمد ﵀ عن عَائِشَةَ قَالَتْ:
"كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قَالَتْ فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ ﷿ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا قَالَ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ ﷿ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ ﷿ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ".
لقد غارت عائشة من خديجة ﵂ بعد موتها لكثرة وفاء النبي ﷺ لها.
والوفاء من أخلاق الدين.
1 / 17
قالت عائشة: ما غرت على امرأة لرسول الله ﷺ ما غرت على خديجة لكثرة ذكر النبي لها، وثنائه عليها.
ولا ننسى سِنَّ السيدة عائشة في هذه الأيام، وشعورها بل ويقينها بحب النبي ﷺ لها. حبًّا جعله يعتذر لله - سبحانه - عنه.
"الله هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"
الغَيرةُ دليلٌ على الحبِّ
ولكن تجاوز الحد فيها يُعسر الحياة معها. وهذه من مشكلات التعدد.
ومن قصص الغيرة وعلاج النبي ﷺ لها:
ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ".
وقصص كثير كان يحدث في بيت النبي ﷺ
بسبب الغيرة.
والنبي ﷺ يصبر ويعالج ويقدر لهن الدافع على فعلهن. ولقد كان النبي ﷺ غيورًا وكان الزبير ﵁ معروفاُ بالغيرة، وكان عمر بن الخطاب ﵁ مفرطًا ولكن الله أكثر غيرة من النبي"
1 / 18
إن الله ﷿ يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه.
وبعد: إن الإسلام عندما شرع تعدُّد الزوجات أكد بذلك عالمية الدعوة لأنه وضع حلولًا لكل البشر مع تعدُّد أحوالهم الفردية والاجتماعية في السلم وفي الحرب. والرخاء والكرب.
والإسلام حدد عدد الزوجات وكان قبل الإسلام متروكًا لقدرة الرجل - كما قلت.
وأوجب على الرجل حقوقًا تنظِّمُ الأسرة في المبيت والنفقة حتى الكلمة ينطق بها الرجل والابتسامة يبتسمها. اشترط الإسلام العدل النسبي بين الزوجات - كما سبق أن قلتُ.
التعدد حل لمشلكة طبيعية:
لو كان عدد النساء وعدد الرجال متساويين لتزوج كل رجل بامرأة واحدة.
ولو كان عدد النساء يزيد عن عدد الرجال؟
فللمناقشة أحد حلول ثلاثة:
يتزوج كل رجل بامرأة واحدة والباقيات يعشن راهباتٍ أو خليلاتٍ - متسولات جنسيًّا.
أو يعشن طاقاتٍ معطلاتٍ.
أو يشترك كل مجموعة منهن في رجل واحد.
1 / 19
من باب "ما لايدرك كله لا يترك كله"
مشكلة واقعية تحتاج لحل عملي.
ولغة الأرقام تؤكد هذه المشكلة - تؤكد زيادة عدد النساء، وإليك بعض الإحصائيات.
نقلًا عن إدارة التعبئة بمصر العربية:
المحافظة..... عدد الذكور..... عدد الإناث
كفر الشيخ.... ٤٨٣ ألف.... ٤٩٠ ألف
بني سويف.... ٤٢٢ ألف ... ٤٣٧ ألف
أسوان.... ١٨٩ ألف.... ١٩٦ ألف امرأة
وعلى القارئ أن يذكر أن عام ١٩٦٠ عام سلم.
وطبيعي أن تختلف الإحصائية بعد ١٩٦٧ بعد النكسة.
فأين؟. وماذا يفعل العدد الزائد من النساء؟
١- راهبات أو خليلات؟
٢- أو تشترك مع غيرها في رجل في الحلال؟
إن نصف رجل في الحلال أو ربع رجل أفضل.
دع الله يُشرِّع لعباده، فهو أعلم بمصلحتهم.
1 / 20
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ " "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ".
ولعل هذا بسبب الحروب التي أخبر النبي ﷺ عنها في نبواءته.
روى مسلم في صحيحه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ " "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو"
وعالمية الشريعة الإسلامية تفرض صلاحيتها لكل الظروف، في السلم والحرب. والإسلام لم يفرض تعدُّد الزوجات، ولكنه أباحه.
والإسلام لم يبتدع تعدُّد الزوجات، لأنه سابق عليه في الأديان السماوية وفي الجزيرة العربية. ولكنه حدده بأربع زوجات.
واشترط الإسلام - كما سبق - قدرة الرجل على العدل وإن كان نسبيًا. وقدرته على الإنفاق.
وجعل للزوجة الأولى أن تجعل من شروط زوجها ألا يتزوج عليها.
فإن خالف الشرط فلها أن تطلب الطلاق. فأي مشكلة والأمر في البقاء والطلاق بيدها؟!
قال معارضو التعدُّد:
إن التعدُّد يهدم قاعدة مساواة المرأة بالرجل.
قلنا: إن الله علم أنَّ المرأة لا تصلح إلا لزوج واحد، حتى يثبت نسب ولدها من أبيه. وحتى يتحمل مسؤولية التربية.
1 / 21