ونزل في إعجاب المشركين بقول ابن الزبعري: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)﴾ [الزخرف: ٥٧ - ٥٨] (١).
عباد الله! وهذا الجدل الذي سلكوه باطل، وهم يعلمون ذلك؛ لأنهم قوم عرب ومن لغتهم أن (ما) لما لا يعقل، فقوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)﴾: إنما أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صور أصنام، ولا يتناول ذلك الملائكة الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور، ولا المسيح، ولا عزيرًا، ولا أحدًا من الصالحين؛ لأن الآية لا تتناولهم لا لفظًا ولا معنى، فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدل باطل، كما قال تعالى: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)﴾ ثم قال: ﴿إِنْ هُوَ﴾؛ أي: عيسى ﴿إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾؛ أي: بنبوتنا ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾؛ أي: دليلًا على تمام قدرتنا على ما نشاء، حيثما خلقناه من أنثى بلا ذكر، وقد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى، وخلقنا آدم لا من هذا، ولا من هذا، وخلقنا سائر بني آدم من ذكر وأنثى؛ كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [مريم: ٢١]؛ أي: أمارة ودليلًا على قدرتنا الباهرة ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ نرحم بها من نشاء (٢).
عباد الله! وقال ابن عباس ﵁، قال رسول الله ﷺ لقريش: "يا معشر