Pages in the Sciences of Quranic Readings
صفحات في علوم القراءات
Publisher
المكتبة الأمدادية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٥ هـ
Genres
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله وحمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن نحا نحوه، وبعد:
فإن علم القراءات من أَجَلِّ العلم قدرًا، وأشرفها منزلة، وأرفعها مكانة؛ لتعلقه بكتاب الله ﷿، وكلامه المبين.
وقد سخر الله ﷿ أفذاذًا من علماء الأمة الإسلامية منذ فجر الإسلام لخدمة كتابه العزيز؛ فقاموا -بإذن الله تعالى وتوفيق منه- خير قيام بدراسة كل ما يتعلق بالفرقان الحميد.
فتخصص رجال من العباقرة في علوم القراءات، وأفنوا أعمارهم في خدمتها: تعليمًا وتأليفًا، وتهذيبًا وتلخيصًا. والمكتبات الإسلامية والعالمية مليئة بآثارهم العلمية، وخير شاهد على خدماتهم القرآنية الجليلة.
ولما كان لا بُدَّ لطالب علوم الدين من أن يتثقف بثقافة إسلامية، وأن تكون لديه خلفية كافية واطلاع شامل على كل ما يتعلق بالقرآن المجيد من علوم ودراسات، قررت جامعة أم
1 / 1
القرى بمكة المشرفة تدريس مادة "المدخل لعلم القراءات" على طلاب وطالبات كلية "الدعوة وأصول الدين" بجميع أقسامها، وبعض أقسام كلية "اللغة العربية"، وأسندت وتدريسها إلى "قسم القراءات" بكلية الدعوة وأصول الدين.
وقد تشرفتُ بتدريس تلك المادة منذ الفصل الثاني لعام ١٤٠٨هـ، ولما كان القسم المذكور قد وُضع من قبله منهج خاص لتلك المادة، ولم أجد مؤلَّفًا يحيط بنقاط المنهج المذكور ويشمل جميع مباحثه، قمت -بفضل الله تعالى وتوفيق منه- بجمع معلومات من شتى الكتب في القراءات، فنقبت في كتب المتقدمين، وورقت مؤلَّفات المعاصرين، وحاولت -بقدر استطاعتي- تهذيب ما جمعته من المادة العلمية وتلخيصه، وسعيت في ترتيبه ترتيبًا علميًّا للتناسق في المعلومات والترابط بينها؛ ليسهل على طلاب العلم الاستفادة منها، وإن كنت قد راعيت نقاط منهج القسم غير أنني لم ألتزم بترتيبه، كما أنني زدت عليها معلومات هامة ومفيدة لا بُدَّ لدارس هذه المادة من الاطلاع عليها، وأقول كما قال الإمام الشاطبي ﵀ في منظومته:
وألفافها زادت بنشر فوائد ... فلفت حياءً وجهها أن تفضلا
ولما أصبحت تلك المعلومات مادة علمية، وقد قمت
1 / 2
بتدريسها، وقدمت بعض مباحثها لطلبة العلم -على إلحاح منهم- للاستفادة منها، اقترح عليَّ غالبية الشباب طبعها ليعم النفع بها؛ إلا أنني كنت أحجم عن ذلك وأعتذر؛ ولكن زاد الإلحاح من أغلب النجباء في كل فصل من الفصول الدراسية، فاستخرت الله ﷿ في ذلك حتى شرح الله صدري، فهأنذا أُقْدم على نشرها وأقدمها لطبعها، وسميتها: "صفحات في علوم القراءات".
وليس لي فيها غير الجمع والتهذيب، والتبويب والترتيب، وحاولت الاختصار في كل الموضوعات؛ ليسهل على طلاب العلم الاستفادة منها.
فإن كنت قد وفقت فيما رُمت فهو بتوفيق من البارئ ﵎ وفضل منه، وإن كان غير ذلك فهو من نفسي ومن الشيطان الرجيم.
وأقول هنا كذلك كما قال الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- في قصيدته:
أقول لحر والمروءة مرؤها ... لإخوته المرآة ذو النور مكحلا
أخي أيها المجتاز نظمي ببابه ... ينادى عليه كاسد السوق أجملا
1 / 3
وظن به خيرًا وسامح نسيجه ... بالإغضاء والحسنى وإن كان هلهلا
وسلم لإحدى الحسنيين إصابة ... والأخرى اجتهاد رام صوبًا فأمحلا
وإن كان خرق فادركه بفضله ... من الحلم وليصلحه من جاد مقولا
وقل صادقًا لولا الوئام وروحه ... لطاح الأنام الكل في الخلف والقلا
وعش سالمًا صدرًا وعن غيبة فغب ... تحضر حظار القدس أنقى مغسلا١
هذا، وأسأل الله ﷿ أن يجعلها في ميزان حسناتي، وأن يزرقني الإخلاص في القول والعمل.
وناديت اللهم يا خير سامع ... أعذني من التسميع قولًا ومفعلًا٢
وأقول كما قال إمام القراء سبط الخياط رحمه الله تعالى "ت٥٤١هـ":
_________
١ حرز الأماني للشاطبي من البيت رقم: ٧٤-٨٠.
٢ حرز الأماني، البيت رقم: ٧١.
1 / 4
كتبت علومًا ثم أيقنت أنني ... سأبلى ويبقى ما كتبت من العلم
فإن كنت عند الله فيها مخلصًا ... فذاك لعمر الله قصدي في الحكم
وإن كانت الأخرى فبالله فاسألوا ... إليه غفرانًا من الذنب والجرم١
هذا، وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أبو طاهر السندي
مكة المكرمة
مساء الاثنين
١٨/ ٤/ ١٤١٤هـ
_________
١ غاية النهاية لابن الجزري ١/ ٤٣٥.
1 / 5
عرض موجز لموضوعات الكتاب:
وفيما يلي عرض موجز للموضوعات التي تعرضت لمعالجتها في الصفحات التالية:
وقد قسمتها إلى خمسة فصول رئيسية؛ وهي:
الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها.
الفصل الثاني: رسم المصحف العثماني.
الفصل الثالث: الترتيل وبيان ركنيه.
الفصل الرابع: توجيه القراءات.
الفصل الخامس: تراجم القراء.
ويشتمل كل فصل منها على مباحث تفصيلية؛ وهي كالآتي:
الفصل الأول:
المبحث الأول: تعريف القراءات وتأريخها.
المبحث الثاني: أركان القراءة الصحيحة.
المبحث الثالث: القراءات الشاذة.
المبحث الرابع: حول حديث نزول القرآن الكريم على الأحرف السبعة.
المبحث الخامس: أوجه اختلاف القراءات.
المبحث السادس: الحِكَم والفوائد في اختلاف القراءات.
المبحث السابع: معالجة بعض الشبهات حول القراءات.
1 / 6
الفصل الثاني:
المبحث الأول: تعريف الرسم وأقسامه وقواعده وفوائده.
المبحث الثاني: حُكْم الالتزام بالرسم العثماني.
الفصل الثالث:
المبحث الأول: مفهوم كلمة "الترتيل" لغة واصطلاحًا.
المبحث الثاني: شرح الركن الأول: التجويد.
المبحث الثالث: شرح الركن الثاني: الوقف.
الفصل الرابع:
المبحث الأول: التعريف بعلم الاحتجاج وتأريخه.
المبحث الثاني: صور الاحتجاج للقراءات.
الفصل الخامس:
المبحث الأول: تراجم قراء القراءات المتواترة.
المبحث الثاني: تراجم قراء القراءات الشاذة.
المبحث الثالث: تراجم لبعض أعلام القراء.
1 / 7
الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها
المبحث الأول: تعريف القراءات لغة واصطلاحا
مدخل
...
الفصل الأول: تعريف القراءات وتأريخها
المبحث الأول: تعريف القراءات لغة واصطلاحا
تعريف القراءات:
القراءات لغة: جمع قراءة، وهي مصدر قرأ قراءة وقرآنًا بمعنى: تلا تلاوة، وهي في الأصل بمعنى الجمع والضم، تقول: قرأتُ الماءَ في الحوض أي: جمعته فيه، وسمي "القرآن" قرآنًا؛ لأنه يجمع الآيات والسور ويضم بعضها إلى بعض١.
واصطلاحًا: عرَّفها القراء بتعاريف متعددة ومختلفة، ولعل تعريف الإمام ابن الجزري لها من أحسن التعاريف جمعًا وشمولًا، فقد عرفها ﵀ بقوله:
"علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة"٢.
وعرفها الشيخ عبد الفتاح القاضي ﵀ بقوله:
"هو علم يُعرف به كيفية النطق بالكلمات القرآنية، وطريق أدائها اتفاقًا واختلافًا مع عزو كل وجه لناقله"٣.
_________
١ راجع: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ١/ ١-٣.
٢ منجد المقرئين لابن الجزري ص٣. وفي القاموس المحيط: الناقلة: ضد القاطنين.
٣ البدور الزاهرة ص٥.
1 / 9
موضوع علم القراءات:
دراسة ما نقل من الخلاف الأصولي والفرشي من أئمة القراءات بأسانيد متصلة ومتواترة إلى الرسول ﷺ في الكلمات القرآنية؛ من حيث أحوال النطق بها وكيفية أدائها.
وما دام أن "القراءة سنة متبعة"١ -كما أثر ذلك عن أكثر من صحابي- فيعني ذلك أن القراءات هي ما نقل من ألفاظ القرآن الكريم من الرسول ﷺ تلاوة أو تقريرًا٢.
_________
١ السبعة لابن مجاهد ص٤٩ وما بعدها.
٢ راجع: القراءات القرآنية ص٦٣-٦٥.
1 / 10
توضيح بعض المصطلحات القرائية
...
توضيح بعض المصطلحات القرآنية:
من الكلمات التي يكثر دورانها في كتب القراءات كلمة: القراءة، الرواية، الطريق، الوجه، الأصول، الفرش، وهي كلمات اصطلاحية في علم القراءات، وفيما يلي نعرف كل واحدة منها؛ ليتضح مدلولها ويتبين الفرق بينها:
١- القراءة:
كل خلاف نُسب إلى إمام من أئمة القراءات مما أجمع عليه الرواة عنه، نحو قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ١ فكلمة "مالك" تقرأ بحذف الألف، وهي قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر حمزة، وتقرأ بإثبات الألف "مالك" وهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف العاشر، وما دام رواة هؤلاء الأئمة المذكورين لم يختلفوا مع بعضهم في نقل قراءة هذه الكلمة؛ فلأجل ذلك نسبت القراءة إلى شيخ كل واحد منهم، وعُبر عن الخلاف المذكور بكلمة "قراءة" فقيل: قراءة الإمام نافع، وقراءة الإمام عاصم ... وهكذا.
٢- الرواية:
كل خلاف نُسب إلى الآخذ عن إمام من أئمة القراءة ولو بواسطة، نحو: رواية الدوري عن أبي عمرو، بواسطة يحيى اليزيدي؛ لأن الدوري تلميذ يحيى،
_________
١ الفاتحة: ٣.
1 / 11
ولم يأخذ القراءة عن أبي عمرو مباشرة، ويحيى تلميذ أبي عمرو؛ ولكن الدوري اشتهر برواية أبي عمرو.
ونحو: رواية هشام عن ابن عامر، ورواية حفص عن عاصم "بدون واسطة"؛ لأن كل واحد منهما تتلمذ على شيخه، وأخذ القراءة عنه مباشرة.
٣- الطريق: كل خلاف نسب إلى الآخذ عن الراوي وإن سفل، نحو: طريق الأصبهاني لرواية الإمام ورش، وطريق عبيد بن الصباح لرواية الإمام حفص ...، مثلًا: الخلاف الواقع في إثبات البسملة بين سورتين أو حذفها وصلًا؛ فمن القراء من يثبتها، ومنهم من لا يثبتها، ومن الذين أثبتوها: نافع وابن كثير، وبما أن راويَيِّ ابن كثير لم يختلفا في إثباتها بين سورتين عن إمامهما؛ فلذلك يقال: قراءة ابن كثير، أما نافع: فقد اختلف رواياه في إثباتها عنه؛ ولكن الراوي الأول وهو: قالون، لم يتردد في إثباتها عنه أشهر من نقل روايته عنه؛ ولذلك يقال: رواية قالون، أما الراوي الثاني: وهو ورش، فاختلف في إثباتها عنه، وقد أثبتها الأصبهاني عنه؛ ولذلك يقال: طريق الأصبهاني عن ورش.
فإثبات البسملة بين سورتين وصلًا: قراءة الإمام ابن كثير، ورواية الإمام قالون عن نافع، وطريق
1 / 12
الأصبهاني عن ورش.
ونحو: فتح حرف الضاد من كلمة "ضعف" في سورة الروم١، فهو قراءة حمزة، ورواية شعبة، وطريق عبيد بن الصباح عن حفص.
وهذا هو الخلاف الواجب، وهو عين القراءات والروايات والطرق؛ بمعنى أن القارئ مُلزَم بالإتيان بجميعها، فلو أخل بشيء منها عُدَّ ذلك نقصًا في روايته٢.
وعلم من تعريف هذه المصطلحات الثلاثة أن لكل إمام: روايان، سواء أخذا القراءة عن الإمام مباشرة أو بواسطة، وأن لكل راوٍ: طريقان، سواء أخذا القراءة عن الراوي بواسطة واحدة أو بواسطتين أو أكثر، فإن نسب الخلاف إلى الإمام يقال: قراءة، وإن نسب إلى أحد راوييه يقال: رواية، وإن نسب إلى تلميذ الراوي أو من اشتهر بنقل روايته يقال: طريق.
٤- الوجه: هو ما يكون من قبيل الخلاف الجائز والمباح؛ كأوجه قراءة البسملة بين سورتين بالوصل أو الفصل، فمن قرأ بإثبات البسملة بين سورتين، فله أن يقرأ بأحد الأوجه الآتية؛ وهي:
_________
١ الآية رقم: ٥٤.
٢ راجع البدور الزاهرة ص٨، ٩، والنشر ٢/ ١٩٩، ٢٠٠.
1 / 13
١- وصل الكل.
٢- فصل الكل.
٣- وصل الثاني بالثالث، وهذه الأوجه الثلاثة جائزة.
٤- وصل الأول بالثاني، وهو ممنوع.
وكأوجه الوقف على المد العارض للسكون بالسكون المحض أو بالإشمام أو بالروم، وبالقصر أو بالتوسط أو بالطول، ففي حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مفتوح مثل: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يجوز الوقف بالسكون المحض فقط؛ وعليه: القصر والتوسط والطول في حرف المد، وفي حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مكسور أومجرور نحو: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ تكون الأوجه أربعة؛ وهي: الوقف بالسكون، وعليه أوجه المد الثلاثة، والرابع الروم مع القصر. أما في حالة الوقف على الكلمة التي آخرها مضموم أو مرفوع مثل: ﴿نَسْتَعِينُ﴾ تكون الأوجه سبعة؛ وهي: الوقف بالسكون المحض مع ثلاثة المد، أو الوقف بالإشمام وعليه ثلاثة المد، أو الوقف بالروم مع القصر، فبأي وجه وقف عليه أجزأه، ولا يعتبر ذلك نقصًا في روايته ولا تقصيرًا منه.
والأوجه الاختيارية لا يقال لها: قراءات، ولا روايات، ولا طرق؛ بل يقال لها: أوجه دراية فقط، والقارئ مخير في الإتيان بأي وجه منها، وغير مُلزَم بالإتيان
1 / 14
بها كلها، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه، كما سبق١.
٥- الأصول: جمع أصل، وهو لغة: عبارة عما يفتقر إليه ولا يفتقر هو إلى غيره، أو هو ما ينبني عليه غيره.
واصطلاحًا: كل حكم كلي جارٍ في كل ما تحقق فيه شرطه، فهي تطلق على الأحكام الكلية والخلافات المطردة التي تندرج تحتها الجزئيات المتماثلة؛ كصلة هاء الضمير، وصلة ميم الجمع، والمدود، وتسهيل الهمزات أو تغييرها، أو نقل حركة الهمزة إلى الساكن الصحيح قبلها ثم حذفها، والفتح والإمالة ... وما إلى ذلك.
والأصول الدائرة على اختلاف القراءات سبعة وثلاثون أصلًا٢.
٦- الفرش: مصدر فرش بمعنى: نشر وبسط.
واصطلاحًا: ما كان من خلاف غير مطرد في حروف القراءات مع عزو كل قراءة إلى صاحبها؛ كالخلاف في قراءة: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ٣ حيث تقرأ كلمة "مالك" بحذف الألف وبإثباتها، وفي
_________
١ راجع للتفصيل: غيث النفع على هامش سراج القارئ ص٣٤، ٥٣، و"التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن" للجزائري ص١١٦، ١١٧، وإتحاف فضلاء البشر ١/ ١٠٢.
٢ راجع: الإضاءة في بيان أصول القراءة للشيخ علي محمد الضباع ص١٢.
٣ الفاتحة: ٣.
1 / 15
قراءة: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ ١ حيث تقرأ كلمة "يخدعون" بفتح الياء وإسكان الخاء وفتح الدال على وزن يَفْعَلُون، وتقرأ بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال "يخادعون" مثل الموضع الأول من باب "المفاعلة"، أو في قراءة قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ ٢ حيث تقرأ كلمة "فأزل" بحذف الألف بعد الزاء ومع تشديد اللام "فأزَلَّ"، وتقرأ بإثبات الألف بعد الزاء وتخفيف اللام: "فأزَالَ" ... وهكذا.
وسمي فرشًا لانتشار تلك الحروف والكلمات المختلَف فيها في سور القرآن الكريم، فكأنها انفرشت في السور أي: انتشرت٣.
وقد يقال لها: الفروع مقابلة للأصول، وقيل: سمي هذا النوع بالفرش تشبيهًا له بصغار الغنم المنتشرة على أرض فضاء هنا وهناك، أو تشبيهًا لها بصغار الشجر٤.
فالكلمات الفرشية هي الجزئيات التي يقع الخلاف في قراءتها، ولا يقاس عليها؛ كالخلاف الواقع في قراءة: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ في سورة البقرة؛ حيث تقرأ "يخدعون" وو"يخادعون" ولكن لا يقاس عليها ما جاء في سورة النساء من قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ ٥ لأن الخلاف وقع فيما هي في البقرة لا ما في النساء مع أن رسمهما واحد٦.
_________
١ البقرة: ٩.
٢ البقرة: ٣٦.
٣ راجع كتاب "الوافي" للشيخ عبد الفتاح القاضي ص١٩٩.
٤ المدخل والتمهيد للدكتور عبد الفتاح شلبي ص١٠١.
٥ الآية رقم: ١٤١.
٦ راجع: مناهل العرفان ١/ ٤٤١.
1 / 16
علاقة القراءات بالقرآن الكريم:
للعلماء في ذلك آراء ثلاثة:
١- يرى الإمام بدر الدين الزركشي "ت٧٩٤هـ" أنهما حقيقتان متغايرتان.
ودليله:
أن القرآن هو الوحي المنزَّل على محمد ﷺ للبيان والإعجاز.
والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما.
ولا بُدَّ فيها من التلقي والمشافهة؛ لأن فيها أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة١.
وقد تبعه في ذلك الإمام شهاب الدين القسطلاني "ت٩٢٣هـ" في كتابه "لطائف الإشارات لفنون القراءات"
_________
١ راجع: البرهان ١/ ٣١٨.
1 / 17
١/ ١٧١، ١٧٢، والإمام شهاب الدين البنا الديماطي "ت١١١٧هـ" في كتابه "إتحاف فضلاء البشر" ١/ ٦٨، ٦٩.
٢- ويرى الدكتور محمد سالم محيسن: أنهما حقيقتان بمعنى واحد؛ لأن القرآن مصدر مرادف للقراءة، والقراءات جمع قراءة؛ إذن فهما حقيقتان بمعنى واحد، كما أن أحاديث نزول القرآن على الأحرف السبعة تدل دلالة واضحة على أنه لا فرق بينهما؛ إذ كل منهما وحي منزل١.
٣- ويرى الدكتور شعبان محمد إسماعيل: أنهما ليسا متغايرين تغايرًا تامًّا، كما أنهما ليسا متحدين اتحادًا كليًّا؛ بل بينهما ارتباط وثيق كارتباط الجزء بالكل.
وذلك لأن:
أ- القراءات لا تشتمل كلمات القرآن كله؛ بل توجد في بعض ألفاظه فقط.
ب- تعريف القراءات يشمل المتواترة والشاذة، وقد أجمعت الأمة على عدم قرآنية القراءات الشاذة٢.
ولعل هذا الذي يقصده الإمام الزركشي؛ حيث قال:
"ولست في هذا أنكر تداخل القرآن بالقراءات؛ إذ
_________
١ انظر: "في رحاب القرآن" ١/ ٢٠٩، ٢١٠.
٢ راجع: "القراءات أحكامها ومصدرها" ص٢٣ وما بعدها، وهامش كتاب إتحاف فضلاء البشر ١/ ٦٩.
1 / 18
لا بُدَّ أن يكون الارتباط بينهما وثيقًا، غير أن الاختلاف على الرغم من هذا يظل موجودًا بينهما؛ بمعنى أن كلًّا منهما شيء يختلف عن الآخر لا يقوى التداخل بينهما على أن يجعلهما شيئًا واحدًا، فما القرآن إلا التركيب واللفظ.
وما القراءات إلا اللفظ ونطقه، والفرق بين هذا وذاك واضح بيِّن"١.
والذي أراه هنا -والله أعلم- هو أن نفصِّل القول في القراءات:
فالقراءات قسمان: المقبولة والمردودة.
أ- المقبولة: هي التي تتوفر فيها الشروط الثلاثة:
١- أن تكون متواترة.
٢- أن توافق اللغة العربية ولو بوجه.
٣- أن توافق رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا.
وهذا القسم هو الذي قال فيه العلماء:
١- يجب على كل مسلم اعتقاد قرآنيته.
٢- يُقرأ به تعبدًا في الصلوات وخارجها.
٣- يكفر جاحد حرف منه.
وهذا ما يقال في القرآن كذلك، وهل يقرأ القرآن إلا
_________
١ البرهان ١/ ٣١٨.
1 / 19
براوية من روايات القراءات المتواترة؟
وعلى هذا فالقرآن هو عين القراءات المتواترة وبالعكس، فهما حقيقتان بمعنى واحد، وعلى هذا يحمل قول الدكتور/ محمد سالم محيسن.
ب- المردودة: وهي التي اختل فيها شرط من الشروط الثلاثة لقبولها، وهي التي يطلق عليها الشاذة، وقد قال العلماء فيها:
١- لا يجوز اعتقاد قرآنيتها.
٢- لا تجوز القراءة بها تعبدًا.
٣- يجب تعزير من أصر على قراءتها تعبدًا وإقراءً.
وعلى هذا فالقراءات هي غير القرآن، وبينهما تغاير كلي، فهما حقيقتان متغايرتان؛ لأن الشاذة حتى لو ثبتت قراءة منها بسند صحيح لا يعتقد قرآنيتها؛ بل تعتبر من الأخبار الآحاد، والخبر الواحد من أقسام الحديث، والحديث غير القرآن.
هذا ما يظهر لي، والله أعلم بالصواب.
1 / 20
عَلاقة القراءات العشر بالأحرف السبعة:
للعلماء في ذلك قولان:
١- إن القراءات العشر تعتبر حرفًا واحدًا من الأحرف السبعة المنزلة.
ذهب إليه: ابن جرير الطبري "ت٣١٠هـ" وبعض أتباعه، ودليلهم:
أن عثمان ﵁ حمل الأمة على مصاحفه، وقد كتبت على حرف قريش، وأمر بإحراق بقية المصاحف فتُركت القراءة ببقية الأحرف؛ لعدم وجوب القراءة بجميعها؛ حيث إنها نزلت تخييرًا وتيسيرًا.
٢- إن القراءات العشر تعتبر بعض الأحرف السبعة المنزلة.
ذهب إليه جمهور القراء.
ودليلهم: أن الحروف السبع تنقسم إلى قسمين:
أ- زيادة كلمة أو نقص أخرى، نحو: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم / في مواسم الحج"١.
أو تقديم كلمة على أخرى، نحو:
_________
١ البقرة: ١٩٨.
1 / 21