217

Al-Nūr li-ʿUthmān al-Aṣamm

النور لعثمان الأصم

Genres

فلما أن كان الله لا تجوز عليه الحسرة، ولا تغمه معاصي العباد له، لم يجز أن يتغتاظ على عباده وإن كان قد يغضب عليهم لمعاصيهم.

وقوله تعالى: { يا حسرة على العباد } أراد أن كفر العباد، وتكذيبهم بالرسل، يكون عليهم حسرة يوم القيامة.

وقوله: { فلما آسفونا انتقمنا منهم } يعني آسفوا رسلنا. ويجوز أن يكون أغضبونا. وذكر الأسف، وهو يريد الغضب توسعا. وأما الأسف حقيقة، فلا يجوز على الله.

ولا يوصف، بأنه يشتهي الأشياء، كما يوصف بأنه يحبها، لأن الشهوة منا ليست من جنس المحبة، لأن الشهوة توقان النفس إلى ما تتوق إليه، كتوقان نفس العطشان إلى شرب الماء، والجائع لأكل الطعام. ومحبة العطشان، لشرب الماء غير توقان نفسه إلى الشرب؛ لأنه قد تتوق نفسه إلى ذلك، وهو صائم، فلا يريد شربه. بل يكرهه لأجل صومه. فصح أن الشهوة ليست من جنس المحبة، فلم تجز على الله الشهوة، كما جازت عليه المحبة والإرادة، إذا كانت الشهوة توقان النفس إلى ما تشتهيه. وتوقان النفس على الله، لا يجوز.

ولا يوصف، بأنه عاشق ووامق، كما يوصف بالمحبة؛ لأن المحبة هي الإرادة. والعشيق ليسه كالإرادة للشيء. إنما هو كالعلق، يصيب الإنسان، ويتعلق القلب بما يعشقه. والوامق أيضا كالعاشق. وهذان لا يجوزان على الله تعالى.

ولا تجوز على الله الرقة؛ لأن الرقة إنما هي رقة الأجسام. وهي التي تكون في القلب، يدلا من الغلظة والفظاظة. وهذان لا يجوزان على الله؛ لأنه تعالى لا تحله الرقة، ولا الكثافة، ولا الفظاظة، ولا القسوة.

ولا يوصف، بأنه شفيق، ولا أنه يشفق على عباده، كما يوصف، بأنه يرحم عباده؛ لأن الإشفاق: الحذر. والمشفق منا من الشيء: هو الحذر منه، والحذر عليه. فلما كان الحذر على الله، لا يجوز، كما لا يجوز عليه الخوف، لم يجز عليه الإشفاق.

Page 217