وقد تعاني المرأة من زوجها ما تعاني، ولكنها مع ذلك تظل شريفة دون أي منطق يدعو لهذا الشرف؛ إلا أنها هي بطبيعتها شريفة، ولا تتصور أن الحياة فيها طريق آخر غير الشرف.
وليس صحيحا أن البنت لأمها، كما يقول هذا المثل السخيف، الذي يكفي القدرة على فمها دون أي داع، ودون أن يكون للقدرة أي دخل في الموضوع؛ إلا أن تكون مقدمة دون معنى لنتيجة لا صلة لها بالمقدمة، ثم هي نتيجة خاطئة.
فكثيرا ما عرفت الحياة فتيات شريفات غاية الشرف، وهن من أمهات لا يعرفن الشرف في أي شيء. وكثيرا، بل كثيرا جدا، ما أصبحت بنات غير شريفات، وهن في ذلك من أمهات كلهن شرف، وهكذا تجد نفسك في غير حاجة أن تكفي القدرة على فمها لتطلع البنت لأمها، كما يقول هذا المثل العامي الساذج.
ولكن لا بأس أيضا أن تتعرض البنت لظروف مثل ظروف تعرضت لها أمها، فتجد البنت نفسها سائرة في الطريق الذي سبقتها فيه أمها.
ولكن الموقف مع بهيرة ابنة شهيرة مختلف كل الاختلاف، وإن كانت النتائج متشابهة كل التشابه.
فشهيرة خانت زوجها؛ لأن زوجها كان يدعو الناس إلى احتقاره بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ فلم يكن غريبا إذن أن تبحث شهيرة عن أحضان تحترمها، فخانت.
أما بهيرة، فزوجها يفرض احترامه على الناس بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، أو هو في الواقع يصطنع الوسائل غير المشروعة في فرض هذا الاحترام، ذلك أنه يطالب بالاحترام بالتكبر لا بالكبرياء وبالتظاهر لا بالحقيقة، فهو أجوف بلا علم. ومن أين العلم وهو بلا تجربة؟ ومن أين التجربة، وقد وجد نفسه في بواكير الحياة من كبار بكوات المجتمع المصري بغير ثقافة، أو علم، أو تجربة في الحياة؟ وكانت البكوية التي صبتها عليه أمه بقوة المال وجبروته لا تتيح له أن يخالط أبناء جيله، ويحيا الحياة الطبيعية التي تجعل الإنسان حين يكبر إنسانا طبيعيا شأنه شأن الآخرين، له تجاربهم وله أيضا أخطاؤهم.
اعتزل يحيى الحياة قابعا بين جدران بكويته الباكرة وتكبره الكاذب فأصبح فراغا؛ ولهذا لم يكن عجيبا أن يقنع بالاحترام الزائف من ظاهر الناس، وإن خالطه الاحتقار، بل وإن خالطته السخرية في أعماقهم.
وبهذا التكبر وبهذا الإرغام على الاحترام الموهوم عامل يحيى الحياة، وعامل أقرب الناس إليه زوجه بهيرة، وابنيه باسل وشهاب.
وهكذا راح ثلاثتهم يبدون له الاحترام غاية الاحترام، ويكنون له الاحتقار غاية الاحتقار.
Unknown page