قال لهم راشد: أريد أطفالا وشبابا ونساء في سن جمع القطن.
وقال حمزة: كم تريد؟ - لو كنت أريد عددا ضئيلا ما جمعت كل هؤلاء الرجال، أريد كل من تستطيعون أن تجمعوه. وأريد عربات نقل وجمالا وحميرا أيضا بقدر ما تستطيعون.
ونظر الرجال بعضهم لبعض وقال أحدهم: القطن عندنا لا يستحق الجمع الآن. - لا عليك يا حاج جودة ستعرف كل شيء في حينه. أنا أعرف أن أحدا لم يفتح في الجمع حتى الآن. كم نفرا تستطيع أن تجيئني به؟ - أمرك، أستطيع أن أحضر أكثر من مائتين؛ فالجميع الآن لا يصنعون شيئا. - وهذا بالضبط ما قصدت إليه. - وهو كذلك.
وراح كل ناظر وكل خولي يدل بعدد الأنفار التي يستطيع جمعهم، واكتمل العدد ألفا ومائتين، أدرك الباشا أنهم لن يتجاوزوا الألف وهذا ما أراد. - متى تستطيعون أن تحضروهم؟ - إن أردت الآن. - أنا فعلا أريدهم الآن. إن انتظرنا إلى الغد فشل كل الترتيب الذي أصنعه. - أمرك. - متى تحضرون؟
نظر الحاج جودة حوله لحظة ثم قال: صفار شمس يا سعادة الباشا.
وأمنت الأصوات على الموعد.
قبل أن تغرب الشمس كانت الأرض الفضاء الواقعة أمام سراي راشد باشا برهان تغص بالناس، منهم من جاء تلبية للطلب، ومنهم من جاء ليعرف السر وراء هذه الدعوة الغريبة للناس والأنعام جميعا. وفي نفس الوقت كان الباشا مجتمعا مع حمزة ونظار العزب في حجرة مقفلة لم يسمح لغيرهم بدخولها. وسأل الباشا حمزة: هل خفر العزب معكم؟ - طبعا. - هل معهم أسلحتهم؟ - طبعا. - كم بندقية عندنا؟ - كان عندنا عشر بنادق اثنتان منهما الآن في الإصلاح. عندنا الآن ثمان. - لا بأس، ما سأقوله الآن سينفذ دون أن يعرف أحد في الخارج شيئا إلا وأنتم في المكان الذي أحدده. - أمرك. - ستأخذون الأنفار جميعا إلى أرض فهمي عبد الحميد.
ونظر الرجال بعضهم إلى بعض، وأكمل الباشا: في ساعة زمن سينزل الجميعة الغيط، مع كل جماعة كلوب وحول الأرض الخفراء مع بنادقهم؛ يهددون فقط لا أريد عنفا، وقد تكتمت الخبر وأعتقد أن أحدا لن يأتي إليكم، وفهمي عبد الحميد غير موجود، وحين يأتي ستكونون قد جمعتم القطن.
الأكياس يا حمزة التي أتينا بها لقطننا أنا اشتريتها لهذه العملية. - أمرك يا سعادة الباشا. - تخرجون وتأخذون الأنفار دون أن تقولوا إلى أين حتى يجدوا أنفسهم أمام القطن يا حمزة، هذا أجر مضاعف للأنفار وكافئ كل من يبدي همة.
الناس في القرى لا يسمحون لفرصة كهذه أن تمر دون أن يعرفوا أعماق أعماق الأسرار التي تقف وراءها، إنهم واثقون أن هذا المشهد الذي يرون سيصبح تاريخا يتحاكون به ويجعلون منه على الأيام بصمة كعام الفيل الذي خلده التاريخ. فكل حدث ضخم في القرية عام فيل، ونراهم يقولون ... في سليقة مواتية، وكان هذا قبل حكاية الباشا وفهمي عبد الحميد بأسبوع أو بعدها بشهر، وهكذا ستصبح علامة زمنية يرويها أب إلى ابنه وابن إلى حفيده.
Unknown page