بسم الله الرحمن الرحيم نحمد من وجب له الوجود كما وجب له السجود وفاض منه الجود ففاض منه كل موجود المقدس بصفات الجلال وجلال الصفات المتوحد ربوبيته في الوحدانية وواحدية الذات المتفضل بصلات النوال ونوال الصلات السميع البصير العليم الخبير بالجزئيات والكليات من سائر المصنوعات والمعلومات المنزه عن الحدود والجهات وعن الوالد والولد والزوجات المتعالي عن كل ما تصوره الخيالات وتخيله أفكار الذوات وتقدره بالأمثلة والاحتمالات حمدا لا يحويه الحد ولا يحصيه العد على ما شرح صدورنا بنور التوحيد ونور قلوبنا بنور يقين يقيها من ترديد التقليد ونشهد أن لا إله إلا الله الحميد المجيد ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد المخلوقات وأشرف الموجودات والمؤيد بالمعجزات الباهرات والآيات البينات صلى الله عليه وسلم وكرم وعظم وعلى آله الذين بلغوا بشرفه أشرف الغايات وعلى أصحابه الذين نالوا بصحبته أرفع الدرجات ما لاح مصباح وانفلق إصباح وسلم تسليما وبعد فيقول العبد المفتقر إلى رحمة ربه الغني المنان محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي الحنفي عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه لما رأيت منظومة العلامة سراج الدين أبي الحسن علي بن عثمان الأوشي نسبة إلى أوش قرية من قرى فرغانة الموسومة ببدء الأمالي في علم الكلام قد مد إليها بعض أهل زماننا يد المسخ والتبديل وكدر صورة وجهها الجميل مع أنها مكتفية عن القيل والقال بما وضع عليها من شروح ذوي الأفضال للأئمة المحققين والفضلاء المدققين وإن كان منهم من أقل فأخل ومنهم من أكثر فأمل فأردت أن أجلي عنها تلك الكدورات التي لحقتها والشوائب التي تبعتها بشرح يزيل عن وجنة تراكيبها الصعاب ويكشف عن وجوه معانيها النقاب مغن عن بقية الشروح والايضاح

Page 2

إغناء الصباح من المصباح ناكبها عن الإيجاز والإطناب الممل متمسكا بقوله عليه السلام خير الكلام ما قل ودل وإن كنت في الأواخر وكم ترك الأول للآخر مع ما بي من اشتغال البال وعدم انتظام الحال سائلا من الكريم المتعال الحفظ عن الزلل في المقال والصيانة عن الخلل في الأقوال وراجيا ممن وقف على ما في هذه الأوراق وإن لم يكن مما لاق بنظره أوراق أن يغض الطرف بعد الامعان عن مواضع زللي ويقض الحرف بعد الاتقان من مواقع خللي ويعذرني فيما لم يصب فيه سهمي ولم يصل فيه إلى الحقيقة فهمي فإني بقصور الباع عن هذه الشأن مقر وعلى هذا الاعتراف ما حييت مصر على أن الأمر بيد الله يفعل ما يريد وينقص من خلقه ما يشاء ويزيد وهو المسؤول لنيل الرشاد ومنه المبدأ وإليه المعاد وسميته نخبة اللآلي لشرح بدأ الأمالي التي هي من العروض الأولى والضرب الأول من البحر الوافر سمى به وأتى بها منه لوفور أجزائه وتدا فوتدا وهو البحر الأول من الدائرة الثانية وهي الدائرة المؤتلفة مقدمة اعلم أن أول الواجبات الاشتغال بعلم الكلام إذ هو أصول أصول الشرايع كلها والفائدة فيه أتم وبه الهدى وسمي كلاما لأن الاشتغال بالتعليم والتعلم لا يكون إلا بالتكلم ولم يسم غيره من العلوم به للتمييز قال المولى سعد الدين رحمه الله سموا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه ومعرفة أحوال الأدلة إجمالا في إفادتها الأحكام بأصول الفقه ومعرفة العقائد عن أدلتها بالكلام لأن عنوان مباحثه كان قولهم الكلام في كذا وكذا انتهى واختلف في معنى العلم المفروض في قوله عليه الصلاة السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) فقيل علم الكلام وقيل علم الفه وقيل علم التفسير والحديث والحق إن كل ما يجب على المكلف فعله أو تركه أو اعتقاده يجب العلم به لأن متابعة الشارع واجبة و هي متوقفة على ذلك وما توقف عليه الواجب فهو واجب لكن أوله اعتقاد أن للعالم صانعا واحدا قادرا لا شريك له ثم الصلاة والصوم والحج والزكاة ونحو حرمة الخمر والسرقة وقتل النفس والزنا وغير ذلك مما هو من ضرورات الدين التي تعرفها العامة فإن معرفة هذه القدر فرض عين على كل مسلم ومسلمة وصحة ذلك متوقفة على صحة الاعتقاد وصحته متوقفة على علم التوحيد فتعين تقديم هذا العلم على بقية العلوم وسئل أبو حنيفة رضي الله عنه عن التفقه في الدين والتفقه في العلم على الفرع معلوم قال تعالى إن الدين عند الله الإسلام ولا شك أن العبد يلزمه

Page 3

أولا الإسلام لقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ليوحدوني فالدين هو التوحيد والعلم هو الديانة أعني الشرايع وهي بعد التوحيد فالدين عقل على الصواب والديانة سيرة على الصواب ولكن العلم أفضل من العقل خلافا للمعتزلة ودرجة العلم بقدر المعلوم والمعلوم بعلم الكلام ذات الله تعالى وصفاته والله أعلى وأجل وأعظم وأعز فما توصل به إلى معرفة ذاته يكون أعلى درجة وأعظم منزلة من سائر العلوم ولأنه لا يتخلص من الكفر إلا بمعرفة الإيمان كما قيل وبضدها تتميز الأشياء ألا ترى أن من قال لا أعرف الكافر كافرا فهو ضال لأنه لما لم يعرف الكفر لم يكن عارف الإيمان وكذا من لم يعرف البدعة والضلالة لم يكن عارفا الاهتداء والاستقامة فلا يأمن أن يقع في البدعة والضلالة وقد قال عليه الصلاة والسلام من أحدث حدثا في الإسلام فقد هلك ومن ابتدع بدعة فقد ضل ومن ضل ففي النار وفيه دليل على أن أهل الأهواء والبدع والضلالة كلهم في النار وأنهم أصناف شتى باختلاف بدعهم وإن زعموا أنهم من أهل الإسلام قيل أصولهم أربع فرق: القدرية، والصفاتية، والشيعة، والخوارج ويتشعبون إلى اثنين وسبعين فرقة قال ملا خسروا رحمه الله أهل الأهواء هم أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة وهم الجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمبطلة والمشبهة وكل منهم أثني عشر فرقة فصاروا اثنين وسبعين فرقة انتهى والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة ما روي أنه عليه السلام قال: ستفترق أمتي من بعدي على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هم قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي وفي رواية فرقة ناجية والباقون في النار قيل وما الناجية قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي اتبعوني ولا تختلفوا على فإنما هلك من كان قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وصلوا كما رأيتموني ومن اتبعني حذو القذفة بالقذفة ومن خالف الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال عليه السلام لكل شئ آفة وآفة هذا الدين هذه الأهواء وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى فتحصل لك أن علم التوحيد أشرف العلوم لكونه أساس العلوم الشرعية ورئيس العلوم الدينية وقانون العقائد الإسلامية ومعلومات الأصلية وغايته المواهب الإلهية والسلامة من ظلمات الفرق الاعتزالية والفوز بالسعادة الدينية والدنيوية وبراهينه الحجج القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية وما نقل عن بعض السلف من الطعن في علم الكلام والمنع عنه فإنما فيه بما لا يعني عما يعني وإلا فكيف ينهى عما يتوقف عليه صحة الإسلام من علم الكلام والحمد لله على نعمة الإيمان قال عليه رحمة الرحمن:

Page 4

1 يقول العبد في بدأ الأمالي * لتوحيد بنظم كاللآلي يقول فعل مضارع أصله يفعل بسكون فائه وضم عينه ثم نقلت ضمة عينه إلى فائه واشتقاقه من القول وهو كما قال النحاة اللفظ الدال على معنى وهو أعم من الكلام والكلم والكلمة كما أشار إليه ابن مالك بقوله: والقول أعم. لأنه يطلق على من الثلاثة حقيقة وهو أخص من اللفظ لإطلاقه على المهمل خلافا لمن جعلهما مترادفين ولا يشترط في دلالته الصدق بقطع النظر عن قائله وإلا فقد يكون مقطوعا بصدقه كقوله تعالى وقول رسول الله صلى عليه وآله وقد يكون بكذبه كأقوال مسيلمة لعنة الله وأتى به مضارعا دون الماضي لدلالته على الاستقبال المناسب لمقوله لأنه مشترك بين الحال والاستقبال على الأرجح وقيل حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال وقيل عكسه وقيل حقيقة في الحال ولا يستعمل في الاستقبال أصلا وقيل عكسه والعبد من التعبد وهو التذلل والخضوع وصف به نفسه لأنه أحب الأوصاف إلى الله تعالى وأرفعها إليه ومن ثم وصف به نبيه عليه الصلاة والسلام في أشرف المقامات فذكره في إنزال القرآن عليه بقوله مما نزلنا على عبدنا * أنزل على عبده الكتاب * نزل الفرقان على عبده وفي مقام الدعوة إليه وأنه لما قام عبد الله يدعوه وفي مقام الإسراء والوحي فأوحى إلى عبده ومن ثم لما خير وعليه صلى الله عليه وآله بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني وسليمان عليه السلام سائل الأول فانظر بعدما بين المرتبتين وأنشد في شرف العبودية قوله: لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي قبله بيت وهو يا قوم قلبي عند زهراء * يعرفها السامع والرائي تحفة الأعالي والأمالي في الأصل جمع الإملا كعليا وعلايى وهو الكتابة عن ظهر القلب من غير نظر إلى مكتوب ثم صار علما منظومته هذه وقوله لتوحيد أي العلم التوحيد والصفات وإنما سمي هذا العلم به أيضا لتوحده في إثبات أعظم المقاصد وهو الوحدانية له تعالى لأن أشرف مباحثه وأعظم مقاصده وأصل المقصود به: إثبات وحدانيته تعالى وفيه براعة الاستهلال كما لا يخفى على أهل الكمال وقوله بنظم هو لغة الجمع والترتيب بين الأشياء المتناسبة أخص من الضم ومن مطلق الجمع ومن التأليف أيضا إذ المراد به ضد النشر وهو الكلام المنظوم الموزون المقفى بالقصد زيد القيد الأخير لإخراج نحو قوله عليه السلام ما أنت إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وهو مصدر بمعنى اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق ووقع ههنا صفة لمحذوف أي بكلام منظوم أو قول واللآلئ جمع لؤلؤة وهو المستخرج من جوف الصدف صح (الإعراب) العبد فاعل يقول وفي ظرفية ومجرورها ظرف للقول واللام في لتوحيد للاختصاص متعلق بالأمالي أو بيقول وهو الأظهر إن جعل الأمالي علما على هذه المنظومة وإلا فالأول أظهر فتدبر وبنظم في محل جر صفة لتوحيد أي لعلم توحيد منظوم كنظم اللآلي ومقول

Page 5

القول قوله الآتي: إله الخلق مولانا ا ه‍ (وحاصل معنى البيت) يقول عبد الله في ابتداء كلامه المسمى بالأمالي أو في ابتداء أماليه لبيان توحيد عظيم لرب كريم بنظم كلام حسن الترتيب والسبك متناسب الكلمات مثل اللآلي المنظومة في سلك واحدة عند البصيرة والباصرة واعلم أنه ينبغي لكل طالب علم أن يعلم حده وموضوعه وفائدته ليكون على بصيرة إذ ربما كان اشتغالا بما لا يعني فيكون عبثا أو لعبا وقد نهى عن كل منهما فنقول: حد هذه العلم معرفة العقائد الدينية عن أدلتها اليقينية أو هو علم يبحث فيه عما يجب اعتقاده واختلف في موضوعه فقيل المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية من جهة ما يجب للذات المقدسة العلية أو ينفي عنها من الصفات الوجودية والسلبية ونحو ذلك وقيل هو ذات الله تعالى من حيث هو وذات الممكنات من حيث إسنادها إليه وقيل هو الموجود بما هو موجود والأول أحسن وأليق بالأدب كما لا يخفى على أهل الأدب وفائدته إرشاد العبد إلى ما يفوز به في دينه ودنياه وينجو به من بدع أهل الضلال والاشتباه وهي غايته وهي أشرف الغايات قال بعض الشراح وما نقل عن بعض السلف كالشافعي ومالك وغيرهما من ذم الخوض فيه وأنه بدعة محرمة ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشئ من علم الكلام فقد أجيب عنه انتهى وقدمنا جوابه وإلا فكيف يتصور الذم والمنع خصوصا من هؤلاء الأئمة الأعلام من تعلم ما هو واجب عينا أو كفاية لأنا نحتاج إلى رد ما يرد علينا من شبه المخالفين الضالين فيجب أن يوجد في كل بلدة عالم متقن هذه العلم حتى جوزوا الاشتغال بعلم المنطق لذلك ويجب على كل مكلف عينا أن يقر أولا بلسانه ويصدق بجنانه بوحدانية الله تعالى أنه واحد أحد فرد صمد لا شريك له ولا ضد له ولا شئ مثله ولا شئ يعجزه ولا إله غيره ولا رب سواه غني عن الشريك والوزير متعال عن الصاحب والنظير وعن الوالد والولد والأزواج وهو إله السماوات والأرض خالق الخلائق أجمعين وأن يعلم ما يجب له تعالى وما يمتنع في حقه إلى غير ذلك ومعرفة ذلك كله يتوقف على هذا العلم فيكون الاشتغال به واجبا وبما ذكرنا اندفع أيضا ما قيل إنه إنما نهى عنه لكونه محدثا لم يكن في زمن الصحابة

Page 6