ذلك الخاتم الألماسي، الذي تلاعبه أصابعه، والذي يضرب فصه الكبير الطاولة، حينما يحتد فرج الله؛ هو الدليل المنظور على غنى هذا الرجل، وتبذل نفسه. سمين كثير الشحم، ناعم الحديث والعضلات. في كلامه نزق الجبن. له شاربان مخضرمان، إذ هما همزة الوصل بين الشوارب العنترية العتيقة، والهتلرية الحديثة. لا أذكر جيدا إذا كان له لحية إسطنبولية تنبسط على وجهه كأنها حصيرة، أو أن على ذقنه عشرات من الشعرات، غير أني طالما تمنيت أن أغزل منها ومن شاربيه خيطا أشده على عنقه. عيناه مرحتان زائغتان. ليس في الدنيا شيء لا يعرفه، وهو في صيده الدولار خاض مستنقعا من دم، وحرائق، ودمر بيوتا كانت عامرة بالثروة والسكان. على أنه على ساديته
3
أو تعذلبه لا يوقع المضرة بأحد، إلا إذا كان له منها فائدة، وهذه القهقهة الميكانيكية المسعولة
4
هي صدى الفرح في نفسه، فقد غالب الحياة وحيدا، وانتصر على الحياة، فهو يستخف بالناس والدنيا، وبكل شيء، ولكان يستخف بنفسه لو جهل قوتها، ولكن فرج الله لا يجهل شيئا.
تملعن فملين.
5
قد يبيض شعره، وتسقط أسنانه، فتلقاه ولا تحلم بأن تناديه «عمي فرج الله، أو: خواجة فرج الله»، ومن قال لك إنه يطلب الاحترام من الناس؟
طعان
طعان الحمصي، يعجب باثنين: عنترة العبسي، والضبع. وكأن إعجابه بهذين المخلوقين أنبت في طعان الكثير من خصالهما، فله مشية عنترية، وبأسه، وله قوة الضبع «وأناقته». كان طعان يوم مقتله دون العشرين، وهي السن التي بها يثبت الجبلي بأسه، وينشر أطروحة الرجولة على الناس، بأن يبطش برجل ما. فطعان تراه إما قاصدا إلى معركة، أو راجعا من معركة، ولكن قل من قوي أن يقف في وجهه. كان طعان «قبضاي» «وادي الأرز» غير منازع. لم يدخل المدرسة، ويحتقر كل من دخلها؛ فهي في نظره مؤنثة الرجال. بليغ الخطاب، ويعرف من نفسه البلاغة، ويعجب بها. كان طعان يفلح أرضه ويزرعها، حتى صارت أمه ترسل له البوليصة الشهرية من المهجر؛ إذ ذاك انقطع عن العمل. لا تصدق ادعاء اللبنانيين بشغفهم بالعمل. الشرقيون كلهم ما عدا اليابانيين لهم أمنية واحدة في الحياة؛ البطالة والراحة، ومع البطالة ينبت القال والقيل، وتزداد أقداح المسكر. وقد تضافرت هذه العناصر الثلاثة، فساقت طعان إلى حتفه. أبق هذا الخبر بسرك، فطعان كان سمجا - رحمه الله.
Unknown page