(٢)
النكت في إعجاز القرآن
لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني
(٢٩٦هـ - ٣٨٦هـ)
1 / 73
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
قال الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عيسى الرماني سألت وفقك الله عن ذكر النكت في إعجاز القرآن دون تطويل بالحجاج، وأنا أجتهد في بلوغ محبتك، والله الموفق للصواب بمنه ورحمته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
وجوه إعجاز القرآن تظهر من سبع جهات: ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة، والتحدي للكافة، والصرفة، والبلاغة: والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة، ونقض العادة، وقياسه بكل معجزة.
فأما البلاغة فهي على ثلاث طبقات: منها ما هو في أعلى طبقة، ومنها ما هو في أدنى طبقة، ومنها ما هو في الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة. فما كان في أعلاها طبقة فهو معجز، وهو بلاغة القرآن. وما كان منها دون ذلك فهو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس. وليست البلاغة إفهام المعنى، لأنه قد يفهم المعنى متكلمان أحدهما بليغ والآخر عيي؛ ولا البلاغة أيضًا بتحقيق اللفظ على المعنى، لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى وهو غث مستكره ونافر متكلف، وإنما البلاغة إيصال المعنى إلى
1 / 75
القلب في أحسن صورة من اللفظ. فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصة، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم كإعجاز الشعر المغحم، فهذا معجز للمفحم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة.
والبلاغة على عشرة أقسام: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان ونحن نفسرها بابا بابا إن شاء الله تعالى.
باب الإيجاز
الإيجاز تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى، وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة، فالألفاظ القليلة إيجاز. والإيجاز على وجهين: حذف، وقصر، فالحذف إسقاط كلمة للاجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام، والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف. فمن الحذف ﴿واسئل القرية﴾ ومنه ﴿ولكن البر من اتقى﴾، ومنه ﴿براءة من الله﴾، ومنه ﴿طاعة وقول معروف﴾. ومنه حذف الأجوبة، وهو أبلغ من الذكر، وماجاء منه في القرآن كثير كقوله جل ثناؤه: ﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى﴾ كأنه قيل: لكان هذا القرآن. ومنه ﴿وسيق الذين اتقول ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها﴾ كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه
1 / 76
التنغيص والتكدير، وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب في قولك: لو رأيت عليًا بين الصفين، أبلغ من الذكر لما بيناه.
وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف غامضًا، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع التي لا يصلح، فمن ذلك: ﴿ولكم في القصاص حياة﴾، ومنه ﴿يحسبون كل صيحة عليهم﴾، ومنه ﴿وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها﴾ ومنه ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾، ومنه ﴿إنما بغيكم على أنفسكم﴾ ومنه: ﴿ولا يحيق المكر السيئُ إلا بأهله﴾
وهذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير، وقد استحسن الناس من الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل، وبينه وبين لفظ القرآن تفاوت في البلاغة والإيجاز، وذلك يظهر من أربعة أوجه: إنه أكثر في الفائدة، وأوجز في العبارة وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة، وأحسن تأليفًا بالحروف المتلائمة. أما الكثرة في الفائدة فيه ففيه كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل، وزيادة معان حسنة، منها إبانة العدل لذكره القصاص، ومنها
1 / 77
إبانة الغرض المرغوب فيه لذكره الحياة؛ ومنها الاستدعاء بالرغبة والرهبة لحكم الله به. وأما الإيجاز في العبارة فإن الذي هو نظير - القتل أنفى للقتل - قوله ﴿القصاص حياة﴾، والأول أربعة عشر حرفا، والثاني عشرة أحرف وأما بعده من الكلفة بالتكرير الذي فيه على النفس مشقة فإن قولهم: القتل أنفى للقتل تكريرا غيره أبلغ منه، ومتى كان التكرير كذلك فهو مقصر في باب البلاغة عن أعلى طبقة، وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة فهو مدرك بالحس وموجود في اللفظ. فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد الهمزة من اللام، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام، فباجتماع هذه الأمور التي ذكرناها صار أبلغ منه وأحسن، وإن كان الأول بليغًا حسنا.
وظهور الإعجاز في الوجوه التي نبينها يكون باجتماع أمور يظهر بها للنفس أن الكلام من البلاغة في أعلى طبقة، وإن كان قد يتلبس فيما قل بما حسن جدا لإيجازه، وحسن رونقه، وعذوبة لفظه، وصحة معناه. كقول علي ﵁: قيمة كل امرئ ما يحسن. فهذا كلام عجيب يغني ظهور حسنه عن وصفه، فمثل هذه الشذرات لا يظهر بها حكم، فإذا انتظم الكلام حتى يكون كأقصر سورة أو أطول آية ظهر حكم الإعجاز، كما وقع التحدي في قوله تعالى: ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾، فبان الإعجاز عن ظهور مقدار السورة من القرآن
والإيجاز بلاغة، والتقصير عيي، كما أن الإطناب بلاغة والتطويل عيي، والإيجاز لا إخلال فيه بالمعنى المدلول عليه، وليس كذلك التقصير، لأنه لا بد فيه من الإخلال. فأما الإطناب فإنما يكون في تفصيل المعنى وما يتعلق
1 / 78
به في المواضع التي يحسن فيها ذكر التفصيل، فإن لكل واحد من الإيجاز والإطناب موضعا يكون به أولى من الآخر، لأن الحاجة إليه أشد، والاهتمام به أعظم، فأما التطويل فعيب وعي، لأنه تكلف فيه الكثير فيما يكفي منه القليل، فكان كالسالك طريقا بعيدا جهلا منه بالطريق القريب. وأما الإطناب فليس كذلك لأنه كمن سلك طريقًا بعيدا لما فيه من النزهة الكثيرة والفوائد العظيمة، فيحمل في الطريق إلى غرضه من الفائدة على نحو ما يحصل له بالغرض المطلوب.
والإيجاز على وجهين: أحدهما إظهار النكتة بعد الفهم لشرح الجملة، والآخر إحضار المعنى بأقل ما يمكن من العبارة، والوجه الأول يكون كثيرا في العلوم القياسية، وذلك أنه إذا فهم شرح الجملة كفى بعد ذلك حفظ النكتة لأنها تكون حينئذ دالة ومغنية عن التعلق بها في نفسها، لتعلق النكتة بها، فهذا الضرب من الإيجاز لا يكون إلا بعد أحوال متقررة من الفهم لشرح الجملة فحينئذ تكون النكتة مغنية، وأما الوجه الآخر فمستأنف لم يقرر له حال خاصة يكون جارا لها من حيث تعلق بها من فهم كيف وجه التعلق فيهما.
والإيجاز على ثلاثة أوجه: الإيجاز بسلوك الطريق الأقرب دون الأبعد، وإيجاز باعتماد الغرض دون ما تشعب، وإيجاز بإظهار الفائدة بما يستحسن دون ما يستقبل، لأن المستقبل ثقيل على النفس؛ فقد يكون للمعنى طريقان أحدهما أقرب من الآخر كقولك: تحرك حركة سريعة - في موضع أسرع وقد يكتنف الغرض شعب كثيرة كالتشبيب قبل المديح، وكالصفات
1 / 79
لما يعترض الكلام مما ليس عليه الاعتماد، وإذا ظهرت الفائدة بما يستحسن فهو إيجاز لخفته على النفس.
وإذا عرفت الإيجاز ومراتبه. وتأملت ما جاء في القرآن منه، عرفت فضيلته على سائر الكلام، وهو علوه على غيره من سائر الكلام، وعلوه على غيره من أنواع البيان، والإيجاز تهذيب الكلام بما يحسن به البيان، والإيجاز تصفية الألفاظ من الكدر وتخليصها من الدرن، والإيجاز البيان عن المعنى بأقل ما يمكن من الألفاظ، والإيجاز إظهار المعنى الكثير باللفظ اليسير، والإيجاز والإكثار إنما هما في المعنى الواحد، وذلك ظاهر في جملة العدد وتفصيله كقول القائل لي عنده خمسة وثلاثة واثنان في موضع عشرة وقد يطول الكلام في البيان عن المعاني المختلفة وهو مع ذلك في نهاية الإيجاز. وإذا كان الإطناب لا منزلة إلا ويحسن أكثر منها فالإطناب حينئذ إيجاز كصفة ما يستحقه الله تعالى من الشكر على نعمه، فإطناب فيه إيجاز.
باب التشبيه
التشبيه هو العقد على أن أحد الشيئين يسد مسد الآخر في حس أو عقل ولا يخلو التشبيه من أن يكون في القول أو في النفس. فأما القول فنحو قولك: زيد شديد كالأسد. فالكاف عقدت المشبه به بالمشبه، وأما العقد في النفس فالاعتقاد لمعنى هذا القول. وأما التشبيه الحسي فكماءين وذهبين يوم أحدهما مقام الآخر ونحوه، وأما التشبيه النفسي فتحو تشبيه قوة
1 / 80
زيد بقوة عمرو، فالقوة لا تشاهد ولكنها تعلم سادة مسد أخرى فتشبه. والتشبيه على وجهين: تشبيه شيئين متفقين بأنفسهما، وتشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما مشترك بينهما، فالأول كتشبيه الجوهر بالجوهر وتشبيه السواد بالسواد والثاني كتشبيه الشدة بالموت والبيان بالسحر الحلال. والتشبيه البليغ إخراج الأغمض إلى الأظهر بأداة التشبيه مع حسن التأليف.
وهذا الباب يتفاضل فيه الشعراء وتظهر فيه بلاغة البغاء، وذلك أنه يكسب الكلام بيانا عجيبا. وهو على طبقات في الحسن كما بينا. فبلاغة التشبيه الجمع بين شيئين بمعنى يجمعهما يكسب بيانا فيهما. والأظهر الذي يقع فيه البيان بالتشبيه به على وجوه: منها إخراج ما لا نفع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة. ومنها إخراج ما لم تجربه عادة إلى ما جرت به العادة، ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، ومنها إخراج مالا قوة له في الصفة إلى ماله قوة في الصفة. فالأول نحو تشبيه المعدوم بالغائب، والثاني تشبيه البعث بعد الموت بالاستيقاظ بعد النوم، والثالث تشبيه إعادة الأجسام بإعادة الكتاب، والرابع تشبيه ضياء السراج بضياء النهار.
التشبيه على وجهين: تشبيه بلاغة وتشبيه حقيقة. فتشبيه البلاغة كتشبيه أعمال الكفار بالسراب. وتشبيه الحقيقة نحو: هذا دينار كهذا الدينار فخذ أيهما شئت. ونحن نذكر بعض ما جاء في القرآن من التشبيه، وننبه على مافيه من البيان بحسب الإمكان. فمن ذلك قوله تعالى: ﴿والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه
1 / 81
لم يجده شيئا﴾ فهذا بيان قد أخرج مالا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في بطلان المتوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة، ولو قيل يحسبه الرائي ماء ثم يظهر أنه على خلاف ما قدر لكان بليغا، وأبلغ منه لفظ القرآن، لأن الظمآن أشد حرصا عليه وتعلق قلب به. ثم بعد هذه الخيبة حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد في االنار - نعوذ بالله من هذه الحال - وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه، فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة.
ومن ذلك قوله ﷿: ﴿مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء﴾ فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، فقد اجتمع المشبه والمشبه به في الهلاك وعدم الانتفاع والعجز عن الاستدراك لما فات، وفي ذلك الحسرة العظيمة والموعظة البليغة، ومن ذلك قوله ﷿: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها﴾ ثم قال: ﴿فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾ فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في ترك الطاعة على وجه من وجوه التدبير وفي التخسيس؛ فالكلب لا يطيعك في ترك اللهث حملت عليه أو تركته، وكذلك الكافر لا يطيع بالإيمان على رفق ولا على عنف، وهذا يدل على حكمة الله ﷾ في أنه لا يمنع اللطف. وقال تعالى: ﴿والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو
1 / 82
ببالغه﴾ فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في الحاجة إلى نيل المنفعة، والحسرة بما يفوت من درك الطلبة، وفي ذلك الزجر عن الدعاء إلا لله ﷿ الذي يملك النفع والضر، ولا يضيع عنده مثقال الذر. وقال ﷿ ﴿وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة﴾ وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به عادة إل ما قد جرت به العادة، وقد اجتمعا في معنى الارتفاع في الصورة، وفيه أعظم الآية لمن فكر في مقدورات الله تعالى عند مشاهدته لذلك أو عمله به ليطلب الفوز من قبله، ونيل المنافع بطاعته. وقال ﷿: ﴿إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض﴾ الآية، وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به العادة إلى ماقد جرت به وقد اجتمع والمشبه به في الزينة والبهجة ثم الهلاك بعده. وفي ذلك العبرة لمن اعتبر، والموعظة لمن تفكر في أن كل فان حقير وإن طالت مدته، وصغير وإن كبر قدره، وقال ﷿: ﴿إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر﴾ وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما قد جرت به، وقد اجتمعا في قلع الريح لهما، وإهلاكها إياهما، وفي ذلك الآية الدالة على عظيم القدرة والتخويف من تعجيل العقوبة، وقال ﷿: ﴿فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان﴾ فهذا تشبيه قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما قدر جرت به، وقد اجتمعا في الحمرة، وفي لين الجواهر السيالة وفي ذلك الدلالة على عظيم الشأن ونفوذ السلطان، لتنصرف الهمم بالأمل إلى ما هناك، وقال ﷿: ﴿اعلموا
1 / 83
أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والأولاد كمث غيث أعجب الكفار نباته﴾ الآية، فهذا تشبيه قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما قد جرت به، وقد اجتمعا في شدة الإعجاب ثم في التغيير بالانقلاب، وفي ذلك الاحتقار للدنيا والتحذير من الاغترار بها والسكون إليها. وقال ﷿: ﴿وجنة عرضها كعرض السماء والأرض﴾ فهذا تشبيه قد أخرج ما لم يعلم بالبديهة إلى ما يعلم، وفي ذلك البيان العجيب بما قد تقرر في النفس من الأمور، والتشويق إلى الجنة بحسن الصفة مع مالها من السعة، وقد اجتمعا في العظم، وقال ﷿: ﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا﴾، وهذا تشبيه قد أخرج ما لم يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، وقد اجتمعا في الجهل بما حملا، وفي ذلك العيب لطريقة من ضيع العلم بالاتكال على حفظ الرواية من غير دراية. وقال ﷿: ﴿كأنهم أعجاز نخل خاوية﴾ وهذا تشبيه قد أخرج مالا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم، وقد اجتمعا في خلو الأجساد من الأرواح، وفي ذلك الاحتقار لكل شيء يؤول به الأمر إلى ذلك المآل. وقال ﷿: ﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت﴾ الآية. فهذا تشبيه قد أخرج مالا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة وقد اجتمعا في ضعف المعتمد، ووهاء المستند، وفي ذلك التحذير من حمل النفس على الغرور بالعمل على غير يقين، مع الشعور بما فيه التوهين.
وقال ﷿: ﴿وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام﴾ فهذا
1 / 84
تشبيه قد أخرج مالا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها، وقد اجتمعا في العظم، إلا أن الجبال أعظم. وفي ذلك العبرة من جهة القدرة فيما سخر من الفلك الجارية مع عظمها، وما في ذلك من الانتفاع بها، وقطع الأقطار البعيدة فيها، وقال ﷿: ﴿خلق الإنسان من صلصال كالفخار﴾. وهذا تشبيه قد أخرج مالا قوة له في الصفة إلى ماله القوة وقد اجتمعا في الرخاوة والجفاف، وإن كان أحدهما بالنار والآخر بالريح. وقال ﷿: ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله﴾. (وفي هذ إنكار لأن تعجل حرمة السقاية والعمارة كحرمة من آمن وكحرمة الجهاد) وهو بيان عجيب وقد كشفه التشبيه بالإيمان الباطل والقياس الفاسد، وفي ذلك دلالة على تعظيم حال المؤمن بالإيمان، وأنه لا يساوى به مخلوق على صفته في القياس ومثله ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾.
باب الاستعارة
الاستعارة تليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للإبانة. والفرق بين الاستعارة والتشبيه أن - ما كان من التشبيه - بأداة التشبيه في الكلام فهو على أصله، لم يغير عنه في الاستعمال، وليس كذلك
1 / 85
الاستعارة، لأن مخرج الاستعارة مخرج ما العبارة [ليست] له في أصل اللغة.
وكل استعارة فلابد فيها من أشياء: مستعار ومستعار له، ومستعار منه. فاللفظ المستعار قد نقل عن أصل إلى فرع للبيان. وكل استعارة بليغة فهي جمع بين شيئين بمعنى مشترك بينهما يكسب بيان أحدهما بالآخر كالتشبيه، إلا أنه بنقل الكلمة والتشبيه بأداته الدالة عليه في اللغة. وكل استعارة حسنة فهي توجب بيان لا تنوب منابه الحقيقة، وذلك أنه لو كان تقوم مقامه الحقيقة، كانت أولى به، ولم تجز الاستعارة. وكل استعارة فلا بد لها من حقيقة، وهي أصل الدلالة على المعنى في اللغة كقول امرئ القيس في صفة الفرس: " قيد الأوابد " والحقيقة فيه: مانع الأوابد، وقيد الأوابد أبلغ وأحسن. كقولك: ميزان القياس، حقيقة تعديل القياس، والاستعارة فيه أبلغ وأحسن. فكل استعارة لا بد لها من حقيقة. ولا بد من بيان لا يفهم بالحقيقة. ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة على جهة البلاغة، قال الله ﷿: ﴿وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا﴾ حقيقة قدمنا هنا عمدنا وقدمنا أبلغ منه لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من السفر، لأنه [عاملهم] من أجل إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم، ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم. وفي هذا تحذير من الاغترار بالإمهال، وبالمعنى الذي يجمعهما العدل، لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل، والقدوم أبلغ لما بينا. وأما هباء منثورا فبيان قد أخرج مالا تقع عليه الحاسة
1 / 86
إلى ما تقع عليه حاسة. وقال ﷿: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾. حقيقته فبلغ ما تؤمر به، والاستعارة أبلغ من الحقيقة، لأن الصدع بالأمر لابد له من تأثير كتأثير صدع الزجاجة، والتبليغ قد يصعب حتى لا يكون له تأثير فيصير بمنزله ما لم يقع. والمعنى الذي يجمعهما الإيصال، إلا أن الإيصال الذي له تأثير كصدع الزجاجة أبلغ. وقال ﷿: ﴿إنما لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾. حقيقته علا والاستعارة أبلغ لأن طغى علا قاهرا، وهو مبالغة في عظم الحال. وقال ﷿: ﴿بريح صرصر عاتية﴾ حقيقته شديدة، والعتو أبلغ منه لأن العتو شدة فيها تمرد. وقال تعالى: ﴿سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ﴾، شهيقا حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكي، والاستعارة أبلغ منه وأوجز، والمعنى الجامع بينهما قبح الصوت. ﴿تميز من الغييظ﴾ حقيقته: من شدة الغليان بالاتقاد، والاستعارة أبلغ منه، لأن مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس، مدرك [مدى] ما يدعو إليه من شدة الانتقام، فقد اجتمع شدة في النفس تدعو إلى شدة انتقام في الفعل، وفي ذلك أعظم الزجر وأكبر الوعظ، وأدل دليل على سعة القدرة وموقع الحكمة. ومنه: ﴿إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا﴾ أي تستقبلهم للإيقاع بهم استقبال مغتاظ يزفر غيظا عليهم. وقال تعالى: ﴿وإنه في أم الكتاب لدينا﴾. وحقيقته أصل الكتاب، وهو أبلغ لأن الأم أجمع وأظهر فيما يرد إليه مما ينشأ عنه، وقال تعالى: ﴿ولما سكت عن موسى الغضب﴾. وحقيقته انتفاء الغضب ووالاستعارة أبلغ لأنه انتفى انتفاء مراصد بالعودة، فهو كالسكوت على مراصدة
1 / 87
الكلام بما توجبه الحكمة في الحال، فانتفى الغضب بالسكوت عما يكره، والمعنى الجامع بينهما الإمساك عما يكره. وقال تعالى: ﴿ذرني ومن خلقت وحيدا﴾ ذرني ها هنا مستعار، وحقيقته: ذر عقابي ومن خلقت وحيدا بترك مسألتي فيه، إلا أنه أخرج لتفخيم الوعيد مخرج ذرني وإياه لأنه أبلغ، وإن كان الله تعالى لا يجوز عليه المنع، وإنما صار أبلغ لأنه لا منزلة من العقاب إلا وما يقدر الله تعالى عليه منها أعظم. وهذا أعظم ما يكون من الزجر. وقال تعالى: ﴿سنفرغ لكم أيها الثقلان﴾ والله ﷿ لا يشغله شأن عن شأن، ولكن هذا أبلغ في الوعيد، وحقيقته سنعمد، إلا أنه لما كان الذي يعمد إلى شيء قد يقصر فيه لشغله بغيره معه، وكان الفارغ له هو البالغ في الغالب مما يجري به التعارف، دلنا بذلك على المبالغة من الجهة التي هي أعرف عندنا لما كانت بهذه المنزلة، ليقع الزجر بالمبالغة التي هي أعرف عند العامة والخاصة موقع الحكمة. وقال تعالى: ﴿فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة﴾، فمبصرة ها هنا استعارة، وحقيقتها مضيئة، وهي أبلغ من مضيئة، لأنه أدل على موقع النعمة، لأنه يكشف عن وجه المنفعة. قيل: هو بمعنى ذات إبصار وعلى هذا يكون حقيقة. وقال تعالى: ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾. أصل الاشتعال للنار وهو في هذا الموضع أبلغ. وحقيقته كثرة شيب الرأس، إلا أن الكثرة لما كانت تتزايد تزايدا سريعا صارت في الانتشار والإسراع كاشتعال النار .. وله موقع في البلاغة عجيب، وذلك أنه انتشر في الرأس انتشارا لا يتلافى كاشتعال النار. وقال تعالى: ﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾. فالقذف
1 / 88
والدمغ هنا مستعار وهو أبلغ، وحقيقته: بل نورد الحق على الباطل فيذهبه، وإنما كانت الاستعارة أبلغ لأن القذف دليلا على القهر، لأنك إذا قلت: قذف به إليه فإنما معناه ألقاه إليه على جهة الإكراه والقهر، فالحق يلقى على الباطل فيزيله على جهة القهر والاضطرار لا على جهة الشك والارتياب، ويدمغه أبلغ من يذهبه لما في يدمغه من التأثير فيه فهو أظهر في الكناية وأعلى في تأثير القوة.
وقال تعالى: ﴿عذاب يوم عقيم﴾ وعقيم هاهنا مستعار وحقيقته ها هنا مبير، والاستعارة أبلغ لأنه قد دل على أن ذلك اليوم لا خير بعده للمعذبين، فقيل: يوم عقيم، أي لا ينتج خيرا، ومعنى الهلاك فيهما إلا أن أحد الهلاكين أعظم. وقال تعالى: ﴿وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون﴾ نسلخ مستعار، وحقيقته: يخرج منه النهار والاستعارة أبلغ لأن السلخ إخراج الشيء مما لابسه وعسر انتزاعه منه لالتحامه به، فكذلك قياس الليل. وقال تعالى ﴿فأنشرنا به بلدة ميتا﴾ النشر ها هنا مستعار، وحقيقته: أظهرنا به النبات والأشجار والثمار فكانت كمن أحييناه بعد إماتته، فكأنه قيل: أحيينا به بلدة ميتا من قولك: أنشر الله الموتى فنشروا. وهذه الاستعارة أبلغ من الحقيقة لتضمنها من المبالغة ماليس في أظهرنا، والإظهار في الإحياء والإنبات إلا أنه في الإحياء أبلغ. وقال تعالى: ﴿وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم﴾ اللفظ ها هنا بالشوكة مستعار، وهو أبلغ، وحقيقته السلاح، فذكر الحد الذي به تقع المخافة واعتمد على الإيماء إلى النكتة، وإذا كان السلاح يشتمل على
1 / 89
ما له حد وما ليس له حد، فشوكة السلاح هي التي تبقى. وقال تعالى ﴿وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض﴾ عريض ها هنا مستعار، وحقيقته كبير، والاستعارة فيه أبلغ لأنه أظهر بوقوع الحاسة عليه، وليس كذلك كل كثرة. وقيل: عريض لأن العرض أدل على الطول. وقال تعالى: ﴿حتى تضع الحرب أوزارها﴾ وهذا مستعار، وحقيقته حتى يضع أهل الحرب أثقالها، فجعل وضع أهلها الأثقال وضعا لها على جهة التفخيم لشأنها وقال تعالى: ﴿والصبح إذا تنفس﴾ وتنفس ها هنا مستعار، وحقيقته إذا بدأ انتشاره، وتنفس أبلغ منه، ومعنى الابتداء فيهما، إلا أنه في التنفس أبلغ لما فيه من الترويح عن النفس، وقال تعالى: ﴿فأذاقها الله لباس الجوع والخوف﴾ وهذا مستعار، وحقيقته أجاعها الله وأخافها والاستعارة أبلغ، لدلالتها على استمرار ذلك بهم كاستمرار لباس الجلد وما أشبهه. وإنما قيل ذاقوه لأنه كما يجد الذائق مرارة الشيء فهم في الاستمرار كتلك الشدة في المذاقة، وقال تعالى: ﴿مستهم البأساء والضراء وزلزلوا﴾ وهذا مستعار، وزلزلوا أبلغ من كل لفظ كان يعبر به عن غلظ ما نالهم. ومعنى حركة الإزعاج فيهما، إلا أن الزلزلة أبلغ وأشد. وقال تعالى: ﴿ربنا أفرغ علينا صبرا﴾ أفرغ مستعار وحقيقته افعل بنا صبرا، وأفرغ أبلغ منه لأن في الإفراغ اتساعا مع بيان، وقال الله ﷿: ﴿ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس﴾ حقيقته حصلت عليهم الذلة. والاستعارة أبلغ لما فيه من الدلالة على تثبيت ما حصل
1 / 90
عليهم من الذلة كما يثبت الشيء بالضرب لأن التمكين به محسوس، والضرب مع ذلك ينبئ عن الإذلال والنقص، وفي ذلك شدة الزجر لهم والتنفير من حالهم، وقال تعالى: ﴿فنبذوه وراء ظهورهم﴾ حقيقته تعرضوا للغفلة عنه، والاستعارة أبلغ لما فيه من الإحالة على ما يتصور وقال تعالى: ﴿ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا﴾ حقيقته تكون لنا ذات سرور، والاستعارة أبلغ لما للإحالة فيه على ماقد جرت العادة بمقدار السرور به. وقال تعالى ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا﴾ كل خوض ذمه الله تعالى في القرآن فلفظه مستعار من خوض الماء، وحقيقته: يذكرون آياتنا، والاستعارة أبلغ لإخراجه إلى ما تقع عليه المشاهدة من الملابسة لأنه لا تظهر ملابسة المعاني لهم كما تظهر ملابسة الماء لهم. وقال تعالى: ﴿فدلاهما بغرور﴾ وحقيقته صيرهما إلى الخطيئة بغرور، والاستعارة أبلغ لإخراجه إلى ما يحس من التدلي من علو إلى سفل. وقال تعالى: ﴿لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم﴾ وقال تعالى: ﴿أفمن أسس بنيانه على تقووى من الله ورضوان﴾ الآية. كل هذا مستعار، وأصل البنيان إنما هو للحيطان وما أشبهها، وحقيقته اعتقادهم الذي عملوا عليه، والاستعارة أبلغ لما فيها من البيان بما يحس ويتصور، وجعل البنيان ريبة وإنما هو ذو ريبة، والاستعارة أبلغ، كما تقول: هو خبث كله، وذلك
1 / 91
أبلغ من أن يجعله ممتزجا، لأن قوة الذم للريبة، فجاء على البلاغة لا على الحذف الذي إنما يراد به الإيجاز في العبارة فقط. وقال تعالى: ﴿الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا﴾ العوج ها هنا مستعار، وحقيقته خطأ والاستعارة أبلغ لما فيه من البيان بالإحاطة على ما يقع عليه الإحساس من العدول عن الاستقامة بالاعوجاج. وقال ﷿: ﴿لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد﴾ أصل الأركان للبنيان، ثم كثر واستعير حتى صار الأعوان أركانا للمعان، والحجج أركانا للإسلام، وحقيقته إلى معين شديد. والاستعارة أبلغ لأن الركن يحس. والمعين لا يحس من حيث هو معين. قال تعالى: ﴿أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس﴾ أصل الحصيد للنبات، حقيقته مهلكة، والاستعارة أبلغ لما فيه من الإحالة على إدراك البصر. وقال ﷿ ﴿الر، كتبا أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور﴾ كل ما جاء في القرآن من ذكر من الظلمات إلى النور فهو مستعار، وحقيقته من الجهل إلى العلم، والاستعارة أبلغ لما فيه من البيان بالإخراج إلى ما يدرك بالأبصار. وقال تعالى ﴿حصيدا خامدين﴾ أصل الخمود للنار وحقيقته هادئين، والاستعارة أبلغ لأن خمود النار أقوى في الدلالة على الهلاك، على حد قولهم: طفئ فلان كما يطفأ السراج. وقال ﷿: ﴿ألم تر أنهم في كل واد يهيمون﴾ واد هنا مستعار، وكذلك الهيمان، وهو من أحسن البيان، وحقيقته يخلطون فيما يقولون، لأنهم ليسوا على قصد لطريق الحق، والاستعارة أبلغ
1 / 92
لما فيه من البيان بالإخراج إلى ما يقع عليه الإدراك من تخليط الإنسان بالهيمان في كل واد يعن له فيه الذهاب. وقال تعالى: ﴿وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا﴾ السراج ها هنا مستعار وحقيقته مبينا، والاستعارة أبلغ للإحالة على ما يظهر بالحاسة. وقال ﷿: ﴿يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا﴾ أصل الرقاد النوم وحقيقته من مهلكنا، والاستعارة أبلغ لأن النوم أظهر من الموت، والاستيقاظ أظهر من الإحياء بعد الموت، لأن الإنسان الواحد يتكرر عليه النوم واليقظة، وليس كذلك الموت والحياة. وقال تعالى: ﴿وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض﴾ أصل الموج للماء وحقيقته تخليط بعضهم ببعض، والاستعارة أبلغ، لأن قوة الماء في الاختلاط أعظم. وقال تعالى: ﴿وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم﴾ العقيم مستعار للريح، وحقيقته ريح لا يأتي بها سحاب غيث، والاستعارة أبلغ لأن حال العقيم أظهر من حال الريح التي لا تأتي بمطر، لأن مالا يقع من أجل حال منافية أوكد مما يقع من غير حال منافية وأظهر. وقال ﷿: ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط﴾، حقيقته لا تمنع نائلك كل المنع والاستعارة أبلغ لأنه جعل منع النائل بمنزلة غل اليد إلى العنق، وذلك مما يحس حال التشبيه فيه بالمنع فيهما إلا أن حال المغلول اليد أظهر وأقوى فيما يكره. وقال تعالى: ﴿ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر﴾ حقيقته لنعذبنهم، والاستعارة أبلغ، لأن إحساس الذائق أقوى لأنه طالب لإدراك ما يذوقه، ولأنه جعل بدل إحساس
1 / 93