بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم [وَبِه أستعين] (١) [وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ] (٢) [وَسلم] (٣)
[قَالَ شيخ الْإِسْلَام الشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد بن بهادر (٤) بن عبد الله الزَّرْكَشِيّ الشَّافِعِي الْمصْرِيّ تغمده الله تَعَالَى برحمته] (٥)
الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى (٦) منار الْإِسْلَام بِالسنةِ وَرفع بهَا عَن الْقُلُوب الأكنة (٧) وحرس سَمَّاهَا بجهابذة (٨) الْحفاظ من الأمراد (٩) (١٠) الْجنَّة (١١) وَالصَّلَاة وَالسَّلَام
1 / 7
على سيدنَا مُحَمَّد أشرف الْخلق وَقَائِدهمْ إِلَى الْجنَّة وعَلى آله وَصَحبه الَّذين جعلهم الله أَمَنَة (١) للنَّاس ومنة أما بعد
فَلَمَّا كَانَت السّنة الْوَحْي الثَّانِي بعد الْمُتَشَابه المثاني (٢) وَجب على كل ذِي [لب حفظهَا وَذكرهَا وَتَعْلِيمهَا ونشرها وَمن الْمعِين على ذَلِك] (٣) معرفَة أوضاع أصطلح عَلَيْهَا حملتها ورسوم بَينهَا نقلتها [وَقد] (٤) انتدبت (٥) لجمع ذَلِك جمَاعَة وأجمعهم لَهُ (٦) أَبُو عبد الله الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي (٧) وَأَبُو بكر
1 / 8
[ابْن] (١) الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ (٢) (٣) وَأَبُو (مُحَمَّد) (٤) الرامَهُرْمُزِي (٥) (٦) وَجَاء بعدهمْ الإِمَام أَبُو عَمْرو بن الصّلاح فَجمع مفرقهم وحقق طرقهم وأجلب بِكِتَابَة بَدَائِع الْعجب وأتى بالنكت (٧) والنخب حَتَّى اسْتوْجبَ أَن يكْتب
1 / 9
بذوب الذَّهَب وَالنَّاس كالمجمعين على أَنه لَا يُمكن وضع مثله وقصارى أَمرهم اختصاره من أَصله وَأَخْبرنِي شَيخنَا الْعَلامَة مغلطاي - رَحمَه الله تَعَالَى - أَن بعض طلبة الْعلم من المغاربة كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِ ذكر لَهُ أَن الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان وضع عَلَيْهِ تأليفا سَمَّاهُ إصْلَاح كتاب ابْن الصّلاح وَأَنه تطلب ذَلِك دهره فَلم يجده ثمَّ شرع الشَّيْخ عَلَاء الدّين فِي التنكيت وَسَماهُ بِالِاسْمِ الْمَذْكُور لكنه لَا يشفي الغليل وَإِنَّمَا تكلم على الْقَلِيل فاستخرت الله تَعَالَى فِي تَعْلِيق عَلَيْهِ
1 / 10
فائق الْجمع شائق السّمع يكون لمستغلقه كالفتح ولمستبهمه كالشرح وَهُوَ يشْتَمل على أَنْوَاع
الأول [بَيَان] مَا أشكل ضَبطه فِيهِ من الْأَسْمَاء والأنساب واللغات
الثَّانِي حل مَا يعْقد فهمه
الثَّالِث بَيَان قيوده واحترازاته فِي الرسوم والضوابط
الرَّابِع التَّعَرُّض لتتمات أُمُور مهمة أغفلها
الْخَامِس التَّنْبِيه على أَوْهَام وَقعت لَهُ فِي النَّقْل
السَّادِس اعتراضات وأسئلة لَا بُد مِنْهَا
السَّابِع مَا هُوَ الْأَصَح فِي أُمُور أطلقها
الثَّامِن أُمُور مُسْتَقلَّة هِيَ بِالذكر أهم مِمَّا ذكره
وقصدت بذلك الرُّجُوع إِلَيْهِ عِنْد أَوْقَات درسي ومراجعتي لنَفْسي
1 / 11
وَالله أسأَل أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم مقرنا بالفوز لجنات النَّعيم بمنه وَكَرمه
1 / 12
الصَّلَاة على ديباجة (١) الْكتاب
١ - (قَوْله) وَآل كل
وَلم يقل وآلهم تَحَرُّزًا من خلاف من منع إِضَافَته إِلَى الْمُضمر (٢)
٢ - (قَوْله) هَذَا (٣ للدخول فِي غَرَض آخر وَنَظِيره فِي التَّخَلُّص قَوْله تَعَالَى ﴿هَذَا وَإِن للطاغين لشر مآب﴾ (٣)
1 / 13
وَلَعَلَّ هَذَا السَّبَب فِي أَن المُصَنّف لم يذكر أما بعد وَإِن ورد أَن النَّبِي ﷺ كَانَ يَقُولهَا فِي خطْبَة (١)
- (قَوْله) يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال وفحلوتهم (٣ عَن الزُّهْرِيّ (٢) روينَاهُ من طَرِيق
1 / 14
الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة فَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة ثَنَا الرياشي عَن أبي يَعْقُوب الْخطابِيّ عَن عَمه قَالَ قَالَ ابْن شهَاب
1 / 15
الزُّهْرِيّ والْحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال ويكرهه مؤنثوهم قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَرَادَ الزُّهْرِيّ أَن الحَدِيث أرفع الْعلم وأجله خطرا كَمَا أَن الذُّكُور أفضل من الْإِنَاث (وَإِلَيْهِ يمِيل الرِّجَال) وَأهل التَّمْيِيز مِنْهُم يحبونه وَلَيْسَ كالرأي السخيف الَّذِي يُحِبهُ سخفاء [الرِّجَال] فَضرب التَّذْكِير فِي التَّأْنِيث لذَلِك مثلا
وَكَذَلِكَ شبه ابْن مَسْعُود فَقَالَ هُوَ ذكر فذكروه أَي جليل خطير فأجلوه
1 / 16
بالتذكير وَنَحْوه الْقُرْآن فخم ففخموه انْتهى
وَأنْشد الإِمَام أَبُو الْحسن سعد الْخَيْر الْأنْصَارِيّ فِي كتاب شرف أَصْحَاب الحَدِيث لبَعْضهِم
(رحلت أطلب [أصل] الْعلم مُجْتَهدا ... وزينة الْمَرْء فِي الدُّنْيَا الْأَحَادِيث)
(لَا يطْلب الْعلم إِلَّا بازل ذكر ... وَلَيْسَ يبغضه إِلَّا المخانيث)
وَرَأَيْت بَعضهم ذكر فِي قَوْله الزُّهْرِيّ ذكر أَنه يرْوى بِكَسْر الذَّال وتسكين الْكَاف (ع ٢) [ويروى بِفَتْحِهَا وَالْأول غَرِيب غير لَائِق بِاللَّفْظِ
1 / 17
وَفِي قَول المُصَنّف - رَحمَه الله تَعَالَى - من أفضل الْعُلُوم مَا يشْعر بِأَن غَيره يُشَارِكهُ فِي الْأَفْضَلِيَّة وَقد أطلق غَيره أَفضَلِيَّة علم الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي أول النَّوْع الثَّامِن وَالْعِشْرين
وَقَالَ حَفْص بن غياث وَقد قيل لَهُ أَلا تنظر إِلَى أَصْحَاب الحَدِيث وَمَا هم فِيهِ فَقَالَ هم خير أهل الدُّنْيَا وَقَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش إِنِّي لأرجو أَن يكون أَصْحَاب الحَدِيث خير النَّاس قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ صدقا جَمِيعًا كَيفَ [لَا] يكون كَذَلِك وَقد نبذوا الدُّنْيَا بأسرها وَرَاءَهُمْ وَجعلُوا
1 / 18
غذاءهم الْكِتَابَة وسمرهم الْمُعَارضَة واسترواحهم المذاكرة وخلوقهم المداد ونومهم السهاد فعقولهم بلذاذة السّنة غامرة وَقُلُوبهمْ بِالرِّضَا فِي الْأَحْوَال عامرة
وَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرك على الصَّحِيحَيْنِ وَقد ذكر حَدِيث عَمْرو بن حزم فِي زَكَاة الْغنم - وَقد كَانَ إمامنا شُعْبَة يَقُول فِي حَدِيث عقبَة بن عَامر فِي الْوضُوء لِأَن يَصح لي مثل هَذَا عَن رَسُول الله ﷺ أحب إِلَيّ من نَفسِي وَمَالِي قَالَ (أ ٢)
1 / 19
الْحَاكِم وَذَاكَ حَدِيث فِي صَلَاة التَّطَوُّع فَكيف بِهَذِهِ السّنَن الَّتِي (هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام) وَقَالَ الرّبيع سَمِعت الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول طلب الْعلم أفضل من صَلَاة النَّافِلَة قَالَ الرَّافِعِيّ
1 / 20
فِي شرح الْمسند كَأَن المُرَاد طلب علم الْآثَار ليؤخذ بهَا وتتبع وَقد اشْتهر عَن الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ علمك يتعداك وعملك لَا يتعداك
٤ - (قَوْله) ويعنى بِهِ
قلت يعْنى من الْأَفْعَال اللَّازِمَة لبِنَاء الْمَفْعُول مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْمَاضِي قَالَ فِي الْمُحكم يُقَال عناه الْأَمر واعتنى بِالْأَمر وعني قَالَ والعناية مَا يهم بِهِ الرجل هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وعَلى هَذَا فَلَا يُؤْتى مِنْهُ بِصِيغَة أفعل (د ٣) قَالَ
1 / 21
الْجَوْهَرِي وَإِذا أمرت [مِنْهُ] قلت لتعن بحاجتي وَالصَّوَاب أَنَّهُمَا لُغَتَانِ عني وعني وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحب الغريبين قَالَ يُقَال عنيت بِأَمْرك فَأَنا معني لَك وعنيت بِأَمْرك أَيْضا فَأَنا عان وَقَالَ المطرزي فِي اليواقيت يُقَال
1 / 22
عنيت بحاجتك وعنيت بحاجتك على بنية الْفَاعِل وهما لُغَتَانِ فصيحتان قَالَ وعنيت المبنية للْمَفْعُول أصح وَفِي الحَدِيث أَنه قَالَ لرجل لقد عني الله بك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَي حفظ دينك
٥ - (قَوْله) إِلَّا رذالتهم وسفلتهم
الرذالة بِضَم الرَّاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ الرَّدِيء والرذل الدون الخسيس قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة رجل رذل ومرذول وَهُوَ الدون فِي
1 / 23
منظره وحالاته وَقد رذل رذولة ورذالة ورذل ورذل وَقوم أرذال والسفلة - بِفَتْح السِّين وَكسر الْفَاء - هم السقاط من النَّاس قَالَ الْجَوْهَرِي وَلَا يُقَال هُوَ سفلَة لِأَنَّهَا جمع والعامة تَقول رجل سفلَة من قوم سفل قَالَ ابْن السّكيت وَبَعض يُخَفف فَيَقُول سفلَة فينقل كسرة الْفَاء إِلَى السِّين وَكسر الْفَاء وَهُوَ اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه
1 / 24
٦ - (قَوْله) لَا سِيمَا
قَالَ ثَعْلَب يلحنون فِيهِ لحنات يحذفون الْوَاو مِنْهُ وحرف النَّفْي ويحققون تاءه وَلَا يجوز اسْتِعْمَاله إِلَّا كَمَا جَاءَ فِي قَوْله وَلَا سِيمَا يَوْم بدارة جلجل
1 / 25
لَكِن ذكر غَيره أَنَّهَا تخفف وتحذف الْوَاو كَقَوْلِه
([فه] بِالْعُقُودِ وبالأيمان لَا سِيمَا ... عقد (وَفَاء بِهِ) من أعظم القر)
بل قَالَ السخاوي يجوز حذف النَّفْي مِنْهُ قِيَاسا على قَوْله تَعَالَى ﴿تالله تفتأ﴾ أَي لَا تفتؤ
وَيجوز فِي قَول المُصَنّف لَا سِيمَا الْفِقْه جر الْفِقْه على الْإِضَافَة وَمَا زَائِدَة وَرَفعه على أَنه خبر لمضمر مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَي وَلَا مثل الَّذِي هُوَ الْفِقْه وَلَا يجوز النصب إِمَّا حَال أَو تَمْيِيز وَلَا يكونَانِ إِلَّا فِي النكرَة وَهُوَ هُنَا معرفَة
1 / 26