Al-nubūgh al-Maghribī fī al-adab al-ʿArabī
النبوغ المغربي في الأدب العربي
Publisher
لا يوجد
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٣٨٠ هـ
Genres
يرسلها إلى القسطنطينية؛ فأساء ذلك الوالي الوساطة ورد عليه ردًا قبيحًا، فلم يمنعه ذلك من المضي في سبيل التقرب من الدولة العثمانية ونصرتها؛ فبعث إلى السلطان سفيرًا بهدايا نفيسة، وعرض عليه استعداده لكل ما يطلب منه من المعونة، وبين له أسفه من تقاطع ملوك المسلمين لا سيما في ذلك الحين. وأعجب من ذلك أنه طرد سفير الروسيا الذي كان بطنجة وقتئذ لما بلغه خبر الحرب المذكورة، فكان حادثًا ديبلوماسيًا خطيرًا.
والغاية في هذا الباب أنه كان مرة في سفر فوافق يوم عيد الأضحى في الطريق قال الكنسوس: «فخطب السلطان بنفسه ودعا للعثماني» وهذا من أنصاف الملوك الذي هو ملك الإنصاف. ومن دلائل حرصه على تمتين الرابطة الدينية بينه وبين ملوك الإسلام أنه زوج ابنته للشريف سرور أمير مكة فجهزها بمائة ألف دينار وزنها إليه في موكب عظيم وأرسل برفقتها من الهدايا والتحف إلى أمير طرابلس ومصر والشام شيئًا كثيرًا. فهذا الاهتمام من المولى محمد بن عبدالله بتمكين أواصر المحبة بينه وبين ملوك الإسلام، هو من أعظم فضائله في نظرنا، ولو لم يكن له منقبة إلا هو لكفى. فإن من المعلوم أن ملوك الإسلام لو جروا على هذه السنة المحمودة وراعوا هذا الواجب الأكيد لما وجد العدو أبد الدهر سبيلًا إلى استعبادهم والتحكم فيهم.
ولما توفي المولى محمد بن عبدالله اضطربت الأمور أيضًا ولم يل بعده خير من مولاي سليمان الذي كان مثالًا مجسمًا للعدل والديموقراطية الإسلامية إلا أنه كغيره، لم يكن موفقًا في سياسة الدولة وتثبيت السلم.
أما مسك الختام ولبنة التمام فهو السلطان المرحوم مولاي الحسن الذي تولى بعد وفاة أبيه المولى محمد بن عبد الرحمن سنة ١٢٩٠، وقد كان العتو والفساد ضاربين أطنابها في قبائل المغرب جميعًا؛ فتمكن بحكمته وحسن سياسته من تأليف تلك القبائل وإعادتها إلى حظيرة الطاعة، واجتهد في إصلاح البلاد والسير بها في طريق الراقي المادي والأدبي، خصوصًا فيما تشتد إليه حاجة الدولة لحفظ استقلالها وضمان سلامتها؛ فأرسل فوجًا من الطلبة إلى أوربا بقصد التخرج في فنونها الصناعية، وأسس معملًا كبيرًا للسلاح بفاس، واقتنى مراكب بخارية كان يصح جعلها نواة
1 / 272