لقد مضى على غروب الشمس مدة طويلة يا سيدتي ، ولا تزال التلميذات اللائي أمرت بعقابهن باكيات في حجرة دراستهن، فهل يبقين أكثر من هذا، أم تأمر سيدتي بانصرافهن؟
نوب حتب :
إني أشعر يا نفرتيتي أني أظلم هؤلاء التلميذات، إذ أعاقبهن على الخلاعة والتبرج، ما دامت معلماتهن هن اللائي ينشرن بينهن تلك القدوة السيئة، بتبرجهن المعيب المخجل، وهذه السيدة رودوبيس قد جعلت من وجهها فاتورة لمختلف الألوان المتناقضة، فمن شفاه قرمزية، إلى أهداب وحواجب تكاد تنافس الليل في سواده وكثافته، ويعلو تلك الأهداب والحواجب السوداء شعر أصفر يضرب إلى البياض، كأنه سبائك من الذهب المخلوط بالفضة الناصعة، فهو لا يتناسب مع شعر حواجبها وأهدابها، ولا يوافق بشرة وجهها السمراء القاتمة، وقد أرادت بذلك أن تفوق يد الطبيعة في صنع الجمال، فظهرت للناس سخرية، يزدريها كل من وقع بصره عليها، ولست أدري كيف يستحسن الرجال مثل هذا التصنع الممقوت، الذي يخالف نظام الطبيعة فيما رسمته من فنون الجمال، فزينت السمراء بعينين سوداوين وشعر أسود جميل، كما وهبت الشقراء عينين زرقاوين، وشعرا ذهبيا يتناسب مع بياض بشرتها، فزادتها بذلك جمالا وروعة.
ضحت السيدة رودوبيس بالكرامة والشرف، في سبيل الجمال، فخسرت الثلاثة جميعا، لقد عارضت الآلهة فيما صنعوه من جمال الخلقة الطبيعية، فكفرت بهم وبآياتهم، وهي تعيش في دير آمون رب أرباب مصر، وعلى بعد خطوات من قدس أقداسه، ويساعدها على ذلك الكفر خادم الإله نفسه، فسلام على الدين ورجاله؛ بل سلام على الفضيلة والشرف، اذهبي يا نفرتيتي واصرفي هؤلاء التلميذات البائسات، اللائي قضى عليهن سوء الحظ أن يقوم بتربيتهن وتهذيبهن أمثال هؤلاء المعلمات، فيجنين على آدابهن شر الجناية. (يطلب السيد فتاح مقابلة سيدتي.)
كاكا :
عجبا! وما الذي جاء به في مثل هذا الوقت من الليل؟
نوب حتب :
وقد انصرفت التلميذات، ولم يعد في دار النظام إلا نحن المعلمات بعد أن انتهى عملنا، فماذا يريد منا هذا الرئيس؟
فتاح :
السلام عليك أيتها الرئيسة الفاضلة.
Unknown page