273

Nūr al-Hudā wa-ẓulumāt al-ḍalāl fī ḍawʾ al-kitāb wa-al-sunna

نور الهدى وظلمات الضلال في ضوء الكتاب والسنة

Publisher

مطبعة سفير

Publisher Location

الرياض

Genres

وإن كان الترك لغير ذلك، فإما أن يكون تديُّنًا أو لا؛ فإن لم يكن تدينًا فالتارك عابث بتحريمه الفعل، أو بعزيمته على الترك، ولا يسمى هذا الترك بدعة؛ لأنه لا يدخل تحت لفظ الحدّ، إلا على الطريقة الثانية القائلة: إن البدعة تدخل في العادات، وأما على الطريقة الأولى، فلا يدخل، لكن هذا التارك يكون مخالفًا بتركه، أو باعتقاده التحريم فيما أحلَّ الله، وإثم المخالفة يختلف باختلاف درجات المتروك: من حيث: الوجوب، والندب.
أما إن كان الترك تديُّنًا فهو الابتداع في الدين، سواءً كان المتروك مباحًا، أو مأمورًا به، وسواءً كان في العبادات، أو المعاملات، أو العادات: بالقول، أو الفعل، أو الاعتقاد، إذا قصد بتركه التعبّد لله كان مبتدعًا بتركه (١)، ومن الأدلّة على أن الترك في مثل ذلك يكون بدعة: قصة الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها، فكأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله ﷺ فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له؛ لكني: أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٢).

(١) انظر: الاعتصام، للشاطبي، ١/ ٥٨.
(٢) متفق عليه من حديث أنس بن مالك ﵁: البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح،
٦/ ١٤٢، برقم ٥٠٦٣، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه،
٢/ ١٠٢٠، برقم ١٤٠١.

1 / 274