5
لسابق انتسابه إلى الجنس البشري؟ ومن الزنوج قبائل تحترم الأفاعي فتكتفي بطردها من الأكواخ من غير أن تقدم على قتلها، ومن الزنوج قبائل كثيرة لا تقتل الحيوان الحامي لها ولو كان أسدا أو نمرا.
ويعتقد الباري أن كثيرا من الأموات يتحول إلى أنمار، ومن الزنوج أناس لا يطلقون النار على بعض الضباع ليلا معتقدين أنها تكتسب شكلا بشريا في النهار، وتلك القبائل - كمعظم الوحوش - تخشى الأرواح الشريرة التي توجب المرض والموت والعاصفة والجدب، ولكنها لا تعرف الأرواح الطيبة، وليس لتلك القبائل أصنام كما في أفريقية الغربية، ولكنهم ينحتون أحيانا آلهة بيتية لهم من خشب، وهم يسمون السعادة والشقاء لوما وإن شئت فقل القدر الذي يعزى إلى سبب خارجي. فيقولون «لوما أمرضه»، أو يقولون عن الصائد عند عودته صفر اليد: «لم يكن له لوما.»
ويحتاج الهمجي - الذي هو عرضة للعناصر والمرض أكثر منا - إلى ساحر يعزو إليه كل قدرة ويرجع إليه في كل حال. وصانع المطر هو طاغية مدبر أو مرهب لرئيس القبيلة كما يشاء، وهو يهدده بالجوع والجدب والحرب نيلا لجعل أجزل من قبل، وهو يرقص الجمهور، ويقدم إليه جعة، وهو يرأس العروض الرسمية حيث ينضج بالدم بعض الحجارة السحرية، وهو يفتن ببيانه، وهو قد يقول الصدق في حضرة صانعي المطر الآخرين، ومما قاله أحد هؤلاء لبيكر: «ولا يعن لي أن أصنع مطرا قبل أن يعطوني حبوبا ومعزا ودجاجا، وهم قد هددوني بالقتل. والآن لن تنزل قطرة ماء على أوبو، وسأجفف حصادهم وسأسلط الوباء على قطاعهم.» وهكذا يباهي الساحر الزنجي بقدرة لا يؤمن بها، ولكنك تجد بين السود أناسا يمجدونه ولو تخلصوا منه كما تجد شعوبا بيضا يشابهونهم ، فإذا حدث أن المادي حرقوا صانع مطرهم جمعوا ما يسيل من شحمه ليكون علاجا لجروحهم.
والحق أننا لا نزال قريبين من عالم المشاعر لدى هؤلاء الوحوش، ولكن الزنجي إذا لقي أبيض عشي
6
كما لو دخل رواقا باهر الأنوار، مع أن أفريقية تبدو للبيض شمسا تجتذب من يقيم منهم بها زمنا طويلا أكثر من تعطشهم إلى السيطرة. وأفريقية للبيض جنة يلقي جوها المنعش سلوانا في نفوسهم. أجل، إن متاعب أفريقية وأمراضها تقصر آجالهم، ولكن مؤالفة قواها الطبيعية تقوي أرواحهم، حتى إن اعتزال العالم والشاعر، العانيين بالمسائل الخالدة، لضوضاء العالم الأوروبي والعالم الأمريكي وحماقاتها أقل سهولة من اعتزال الرائد أو الصائد أو الغارس في أفريقية الاستوائية، ولا يأتي النفوذ المطهر من الخطر اليومي ومن مكافحة العناصر فقط، بل يأتي أيضا من عيون الزنجي ومن وضوح أوضاعه التي تنم على ما يدور في خلده، ومن فضوله الطفولي ومن وقاره وواقعيته ولاشعوريته.
وشبه السود بالأولاد، والسود على شواطئ النيل أولاد فرحى مرحى تسفر سذاجتهم الكلبية عن قسوة في بعض الأحيان. نعم، يمكن الزنجي أن يقتل خصمه في سورة غضب، ولكنه يجهل الخبث وكل شيء يسود حياة البيض، ولا يحفزه الحقد والحرص والحسد وحب الذهب إلى الإجرام، ورؤساء القبائل وحدهم هم الذين تساورهم هذه المشاعر، فهم كبعض رؤساء البيض يثيرون في نفوس رعاياهم روح الانتقام والحقد ضد القبائل الأخرى فيدفعونهم إلى الحرب والموت.
وكان الأبيض لا يجلب غير الخرز إلى الأسود في مقابل عاجه الذي يسلبه إياه، والأبيض قد نزع منه عمله اليدوي لما أدت إليه العجائب التي أطلع عليها من تقليل غريزة التقليد فيه، ولم يبذل كبير جهد في شحذ نصل ما دام الأبيض يعطيه سكينا رائعا في مقابل قطعة من المطاط؟ وعامل المصريون من بلغوهم من زنوج النيل الأعلى كما عاملت الكنيسة عامة الناس؛ فلم يعلموهم حتى استعمال إطار الفخار، وغابت صناعة مطل
7
Unknown page