Nil Fi Cahd Faracina

Anton Zikri d. 1369 AH
118

Nil Fi Cahd Faracina

النيل في عهد الفراعنة والعرب

Genres

وروى المؤرخون اليونانيون أنه كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية القديمة آلهة خاصة، إلا أن جميع القدماء أجمعوا على تقديم فرائض خاصة للنيل، وكان لفيضانه العجيب احتفال سنوي كعيد يبتهج به جميع أفراد الشعب.

وكان من عقائد القدماء أن لكل شيء روحا وحياة وإرادة وشخصية سامية من هبات المعبود الأعلى، وأن النيل يشفي من الأمراض، وأن الأقباط والمسلمين، وإن كانوا أبطلوا الاعتقاد بألوهية النيل، لكنهم لا يزالون يصفونه بقولهم النيل المبارك، وفي زمن فيضانه كان البطرك يذهب إلى النيل مصحوبا بحاشيته إلى مصر العتيقة، ويلقي في النيل صليبا من الفضة، وكان الترك يحتفلون به رسميا، ومتى انتهى الاحتفال كانت الجماهير تلقي في النيل الحبوب والثمار والسكر والخبز والدراهم، ويغتسل الأطفال في مياه النيل، وبعض الناس يغتسلون أيضا بأول ماء يمر في الخليج طلبا للشفاء وإزالة العقم.

وكان من المتبع قبل اليوم المحدد لجعله يوم وفاء النيل أن يضعوا في مصر العتيقة تمثالين كبيرين عليهما أنوار مركبة على منصة من الخشب مسندة على مراكب، وهذان التمثالان يمثلان رجلا وامرأة ويسميان العروسين.

وكان من عادتهم صنع عروس أخرى من الطين ويلقونها في النيل يوم الفيضان.

وقال هيردوت: «إن المصريين كانوا يكرهون ذبح الحيوانات، فمعقول جدا أن يترفعوا عن إزهاق الأرواح التي قيل: إنهم يقدمونها كقربان وضحية طلبا لوفاء النيل.»

وليلاحظ أن كل أمة يدخل عليها دين جديد ينشر عنها خرافات كثيرة، وإذا تأملنا رواية ابن الحكم والناقلين عنه كالمقريزي وغيره، يتضح لنا أنها خرافة مخترعة، نعم، إن ابن الحكم نقل هذه الرواية عن اليونان، كما نقل غيره أكاذيب أخرى في كتاب عنوانه «الأنهار»، نسبوه إلى «بلوارك»، ودونوا به أن أحد ملوك مصر لما أبطأ فيضان النيل في بعض السنين ألقى ابنته فيه بأمر الآلهة، واشتهر في الروايات أن الاحتفال يمثل «زواج النيل الذي هو أزوريس بأرض مصر التي تمثل إزيس»، فالمرجع في كل الروايات إلى تصور خيالي ليس إلا.

رسوم النيل في الآثار المصرية

قد اطلع القارئ على تفصيلات وافية، تبين أن حياة الشعب المصري تتوقف على تحسين أحوال الري وانتظامه؛ ليكون من فيض النيل الخير الشامل، وإغداق الثروة ورواج الأحوال التجارية، وقد نقش اسم النيل في جميع المعابد دلالة على أن القدماء كانوا يعتبرونه إلها يمنح الحياة والسعادة، وجاء في الفصل 146 من كتاب الموتى «أن الآلهة تشترك في إسداء نعمه»، ونقشوه في بعض المعابد كتمثال إنسان واقف يحمل القرابين ويهبها بسخاء لجميع الخلائق من إنسان وحيوان.

وفي كثير من الأمكنة ترى رسوم الاحتفالات بوفاء النيل، لا سيما في معابد أدفو ودندرة، وهناك ترى النيل مارا بأدراج السلم، خارجا من ناووسه كما يخرج كل سنة من مجراه؛ لزينة الدنيا وخصب الأودية وتدبيج وجه الأرض بالنباتات المتنوعة التي تستفيد منها الناس الغذاء والحاصلات المتنوعة ويقتنون الثروة، فكأن أرض مصر مستودعات للنفائس الكونية بأنواعها، تجوز منها على كل البقاع بما تحتاجه.

وهناك أيضا رسم آخر يمثل النيل خارجا من سلم «كما يخرج من مجراه»؛ ليملأ الأرض بالحبوب معبرا عن إعطاء الآلهة الحياة والهناء؛ لأن من نباتات النيل تتقدم حياة الحيوانات والإنسان والطيور، إلخ.

Unknown page