المقدمات ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول ... بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة البيضاوي: صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول هو عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي، قاضي، مفسر، علامة، ولد في المدينة البيضاء "بفارس" قرب شيراز. كان المذكور عالما بعلوم كثيرة، صالحا خيرا صنف التصانيف المذكورة في أنواع العلوم منها مختصر الكشاف "تفسير القاضي"، مختصر الوسيط في الفقه المسمى بالغاية، وطوالع الأنوار في التوحيد، وكتابنا هذا "منهاج الوصول إلى علم الأصول"، و"طلب اللباب في علم الإعراب"، ونظام التواريخ وتعاريفها. تولى القضاء بشيراز مدة، ثم صرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز فتوفي فيها سنة إحدى وتسعين وستمائة على ما في طبقات الشافعية وسنة ٦٨٥هـ على ما في الأعلام للزركلي. انظر: الأعلام للزركلي "٤ /١١٠" طبقات الشافعية "١/ ١٣٦". أما كتابه هذا "منهاج الوصول إلى علم الأصول" فهو كما قال الإسنوي: إن المصنف قد أخذ كتابه من الحاصل للأرموي والحاصل أخذه مصنفه من المحصول للفخر الرزاي والمحصول استمده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالبا أحدهما المستصفى للغزالي والثاني المعتمد لأبي الحسن البصري وهو كتاب جليل اعتنى العلماء بشأنه فشرحه الشيخ الإمام فخر الدين أبو المكارم أحمد بن حسين التبريزي الجاربردي المتوفى سنة ٧٤٦هـ وسماه بالسراج والوهاج، وشرحه الإمام أبو الثناء الأصفهاني المتوفى سنة ٧٤٩هـ، وشرحه القاضي عبد الله بن محمد العبدلي التبريزي الحنفي المتوفى سنة ٤٧٣هـ، وغياث الدين الواسطي المتوفى سنة ٧١٨هـ، وشمس الدين الجزري الشافعي المتوفى سنة ٧١١هـ، وتاج الدين السبكي المتوفى سنة ٧٧١هـ، وابن الملقن وله شرح أحاديثه في جزء وتوفي سنة ٨٠٤هـ "انظر: كشف الظنون: ١٨٧٨" وقد شرح هذا الكتاب أيضا العديد من العلماء وهذا مما يبين فضل الكتاب وأهميته وفضل صاحبه وجلالته.

1 / 3

ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول هو عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الأموي الإسنوي نزيل القاهرة، الشيخ جمال الدين، أبو محمد. ولد في العشر الأخير من ذي الحجة سنة ٧٠٤هـ بإسنا من صعيد مصر. وقدم القاهرة سنة ٧٢١هـ وقد حفظ التنبيه في ستة أشهر وبعد أخذه عن العلماء لازم الاشتغال ثم الاشتغال والتصنيف فكانت أوقاته محفوظة مستوعبة لذلك، وولي وكالة بيت المال والحسبة ودرس بالمالكية والأقبغاوية والفاضلية ودرس التفسير بالجامع الطولوني. تتلمذ على عدد من العلماء منهم: الدبوسي، وعبد القادر بن الملوك، والحسن بن أسد بن الأثير، وعبد المحسن الصابوني، والقطب السنباطي، والقونوي وغيرهم، وأخذ اللغة عن أبي الحسن النحوي، وأبي حيان النحوي وغيرهما. قال ابن حجر في الدرر الكامنة "٢/ ٣٥٥": "كان فقيها ماهرًا ومعلما ناصحا ومفيدا صالحا مع البر والدين والتودد والتواضع. وقال شيخنا العراقي: اشتغل في العلوم حتى صار أوحد زمانه وشيخ الشافعية في أوانه، وصنف التصانيف النافعة السائرة، وتخرج به طلبة الديار المصرية، وكان حسن الشكل والتصنيف لين الجانب كثير الإحسان". اهـ. وله العديد من المؤلفات منها: جواهر البحرين في تناقض الخبرين، والكوكب الدري في النحو والفقه، وكافي المحتاج إلى شرح المنهاج، والفتاوى، وزوائد الأصول، والأشباه والنظائر، والبدور الطوالع في الفروق والجوامع، والجمع والفرق، والجامع، وشرح ألفية ابن مالك، وشرح تفسير البيضاوي، ونهاية السول شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وطبقات الشافعية، وغيرها من المؤلفات. توفي الشيخ جمال الدين ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى سنة ٧٧٢هـ ودفن قرب مقابر الصوفية بالقاهرة. "انظر: الدرر الكامنة: "٢/ ٣٥٤-٣٥٦"، بغية الوعاة: "٢/ ٩٢"، شذارت الذهب: "٦/ ٢٢٤"، البدر الطالع: "١/ ٣٥٢"، حسن المحاضرة: "١/ ٤٢٩-٤٣٤".

1 / 4

بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الكتاب: الحمد لله الذي مهد أصول شريعته بكتابه القديم الأزلي، وأيد قواعدها بسنة نبيه العربي، وشيد أركانها بالإجماع المعصوم من الشيطان القوي، وأعلى منارها بالاقتباس من القياس الخفي والجلي وأوضح طرائقها بالاجتهاد في الاعتماد على السبب القوي، وشرع للقاصر على مرتبتها استفتاء من هو بها قائم ملي وصلواته وسلامه على سيدنا محمد المبعوث إلى القريب والبعيد والشريف والدني وعلى آله وأصحابه أولي كل فضل سني وقدر علي. "وبعد" فإن أصول الفقه علم عظيم قدره. وبين شرفه وفخره. إذ هو قاعدة الأحكام الشرعية. وأساس الفتاوى الفرعية. التي بها صلاح المكلفين معاشا ومعادا ثم إن أكثر المشتغلين به في هذا الزمان قد اقتصروا من كتبه على المنهاج للإمام العلامة قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي ﵁ لكونه صغير الحجم كثير العلم مستعذب اللفظ، وكنت أيضا ممن لازمه درسا وتدريسا فاستخرت الله تعالى في وضع شرح عليه موضح لمعانيه، مفصح عن مبانيه، محرر لأدلته مقرر لأصوله، كاشف عن أستاره، باحث عن أسراره، منبها فيه على أمور أخرى مهمة. "أحدها" ذكر ما يرد عليه من الأسئلة التي لا جواب عنها أو عنها جواب ضعيف. "الثاني" التنبيه على ما وقع فيه من غلط في النقل. "الثالث" تبيين مذهب الشافعي بخصوصه ليعرف الشافعي مذهب إمامه في الأصول، فإن ظفرت بالمسألة فيما وقع لي من كتب الشافعي كالأم١ والأمالي٢ والإملاء٣ ومختصر المزني٤ _________ ١ الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي وهذا الكتاب يمثل جماع مذهب الإمام الشافعي وأحكامه النهائية، وصفه الشافعي في مصر إملاء. ٢ الأمالي وهو أمالي الإمام الشافعي في الفقه، والأمالي هو جمع إملاء وهو أن يقعد عالم حوله تلامذته بالمحابر والقراطيس فيتكلم العالم بما فتح الله عليه من العلم ويكتب تلامذته فيصير كتابا، ويسمونه الإملاء والأمالي، كذا كان السلف من الفقهاء والمحدثين وأهل العربية "كشف الظنون: ١٦١". ٣ الإملاء هو للإمام الشافعي، وهو في نحو أماليه حجما وقد يتوهم أن الإملاء هو الأمالي وليس كذلك. "كشف الظنون: ١٦٩". ٤ مختصر المزني في فروع الشافعية وهو أحد الكتب الخمس المشهورة بين الشافعية التي يتدوالونها أكثر تداول وهي سائرة في كل الأمصار، كما ذكره النووي في التهذيب، وهي للشيخ الإمام إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي"٢٦٤هـ" وهو أول من صنف في مذهب الشافعي "كشف الظنون: ١٦٣٥".

1 / 5

ومختصر البويطي١ نقلتها منه بلفظها غالبا مبينا الكتاب الذي هي فيه، ثم الباب، وإن لم أظفر بها في كلامه عزوتها إلى ناقلها عنه. "الرابع" ذكر فائدة القاعدة من فروع مذهبنا في المسائل المحتاجة إلى ذلك. "الخامس" التنبيه على المواضع التي خالف المصنف فيها كلام الإمام أو كلام الآمدي٢ أو كلام ابن الحاجب٣ فإن كل واحد من هؤلاء قد صار عمدة التصحيح يأخذ به آخذون، فإن اضطراب كلام أحد هؤلاء نبهت عليه أيضا. "السادس" ما ذكره الإمام وابن الحاجب من الفروع الأصولية وأهمله المصنف فأذكره مجردا عن الدليل غالبا. "السابع" التنبيه على كثير مما وقع فيه الشارحون من التقريرات التي ليست مطابقة وقد كنت قصدت التصريح بكل ما ذكروه منها، فرأيت الاشتغال به يطول لكثرته حتى رأيت في بعض شروحه المشهورة ثلاثة مواضع يلي بعضها بعضا؛ فلذلك أضربت على كثير منها فلم أذكره البتة اكتفاء بتقرير الصواب وأشرت إلى كثير منها إشارة لطيفة وصرحت بمواضع كثيرة منها. "الثامن" التنبيه على فوائد أخرى مستحسنة كنقول غريبة وأبحاث نافعة وقواعد مهمة إلى غير ذلك فيما ستراه إن شاء الله تعالى. واعلم أن المصنف ﵀ أخذ كتابه من الحاصل٤ للفاضل تاج الدين الأرموي، والحاصل أخذه مصنفه من المحصولات للإمام فخر الدين، والمحصول٥ استمداده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالبا أحدهما _________ ١- البويطي: أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، من بويطة وهي قرية من صعيد مصر الأدنى، كان خليفة الشافعي في حلقته بعده "طبقات الشافعية: ١/ ٢٢". ٢ الآمدي هو الإمام سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر الآمدي المذكور في الأبكار، المتوفى سنة ٣١٦هـ "كشف الظنون: ١٨٥٧" وله كتب في علم الأصول وغيره من العلوم، منها: منتهى السول في الأصول، وغيره. ٣ ابن الحاجب هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين بن الحاجب، فقيه مالكي، من كبار علماء العربية، كردي الأصل ولد في إسنا "من صعيد مصر" ونشأ في القاهرة وسكن دمشق، ومات بالإسكندرية وكان أبوه حاجبا فعرف به، من تصانيفه "الكافية في النحو، والشافعية في الصرف، مختصر الفقه، ومنتهى السول والأمل في الأصول، وغيرها من الكتب، توفي سنة "١٤٦هـ". "الأعلام: ٢/ ٢١١". ٤ الحاصل في مختصر المحصول في الأصول، وهو للقاضي تاج الدين محمد بن حسين الأرموني، المتوفى سنة ٦٥٦هـ، كما ذكره الإسنوي والسيوطي، "كشف الظنون: ١٦١٥". ٥ المحصول في أصول الفقه، لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، وهو الإمام المفسر، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل، ولد في الري ونسبته إليها، رحل إلى خوارزم وتوفي في هراة سنة "٦٠٦هـ" من تصانيفه مفاتيح الغيب في التفسير، والمطالب العالية، ونهاية العقول في دراية الأصول، وكتب أخرى في مختلف العلوم، "كشف الظنون: ١٦١٥، والأعلام: ٦/ ٣١٣".

1 / 6

المستصفى١ لحجة الإسلام الغزالي، والثاني المعتمد لأبي الحسين البصري٢، حتى رأيته ينقل منهما الصفة أو قريبا منها بلفظها وسببه على ما قيل أنه كان يحفظهما، فاعتمدت في شرحي لهذا الكتاب مراجعة هذه الأصول طلبا لإدراك وجه الصواب في المنقول منه والمعقول، وحرصا على إيراد ما فيه على وفق مراد قائله، فإنه ربما خفي المقصود أو تبادر غيره فيتضح بمراجعة أصل من هذه الأصول المذكورة، ولم أترك جهدا في تنقيحه وتحريره، فإنني بحمد الله شعرت فيه خليا من المواقع والعوائق منقطعا عن القواطع والعلائق، فصار هذا الشرح عمدة في الفن عموما، وعمدة في معرفة مذهب الشافعي فيه خصوصا، وعمدة في شرح هذا الكتاب وسعيت سعيي في إيضاح معانيه، وبذلت وسعي في تسهيله لمطالعيه بحيث لا يتعذر فهمه على المبتدئ، ولا يبطئ إدراكه على المنتهي، وسميته: "نهاية السول في شرح منهاج الأصول" وأسأل الله أن ينفع به مؤلفه وكاتبه وقارئه والناظر فيه وجميع المسلمين بمنه وكرمه آمين. _________ ١ المستصفى في أصول الفقه للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة "٥٠٥هـ" يقول عن هذا الكتاب: فاقترح علي طائفة من محصلي علم الفقه تصنيفا في الأصول أطلق العنان فيه بين الترتيب والتحقيق على وجه يقع في الحجم دون تهذيب الأصول، وفوق كتاب المنخول، ورتبناه على مقدمة، وأربعة أقطاب". "كشف الظنون: ١٦٧٣". ٢ المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد بن علي البصري المعتزلي الشافعي المتوفى سنة "٤٦٣هـ"، وهو كتاب كبير ومنه أخذ الفخر الرازي كتاب المحصول "كشف الظنون: ١٧٣٢".
تعريفات: قال: "أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد" أقول: اعلم أنه لا يمكن الخوض في علم من العلوم إلا بعد تصور ذلك العلم، والتصور مستفاد من التعريفات، فلذلك قدم المصنف تعريف أصول الفقه على الكلام في مباحثه، ولا شك أن أصول الفقه لفظ مركب من مضاف ومضاف إليه، فنقل عن معناه الإضافي وهو الأدلة المنسوبة إلى الفقه وجعل لقبا أي علما على الفن الخاص. والفرق بين اللقبي والإضافي من وجهين: "أحدهما" أن اللقبي هو العلم كما سيأتي والإضافي موصل إلى العلم، "الثاني" أن اللقبي لا بد فيه من ثلاثة أشياء: معرفة الدلائل وكيفية الاستفادة وحال المستفيد، وأما الإضافي فهو الدلائل خاصة، ولفظ أصول الفقه مركب على المعنى الإضافي دون اللقبي؛ لأن جزأه لا يدل على جزء معناه، فإذا تقرر ما قلناه، وعلمت أن أصول الفقه في الأصل مركب، فاعلم أن معرفة المركب متوقفة على معرفة مفرداته، فكان ينبغي له أن يذكر تعريف الأصل وتعريف الفقه قبل تعريف أصول الفقه، وكما فعل الإمام في المحصول١ والآمدي في الأحكام وغيرهما مستدلين بما ذكرته من توقف معرفة المركب على معرفة المفردات، فلنذكر _________ ١ انظر المحصول، ص٥، جـ١.

1 / 7