ثم قوله : «إذا اعتبر العقل للإمكان ماهية ووجودا حصل فيه إمكان امكان» ، إن قصد بذلك ثبوت وجود خارجي لزم التسلسل ، ولم يكن اعتبارا عقليا ، وهو ضد ما قاله أولا. وإن قصد بذلك ثبوت وجود ذهني ، فهو مسلم ، ونحن لا نتنازع في الثبوت الذهني. وإن قصد أنه موجود في الخارج باعتبار كونه ثابتا في الذهن ويعرض له حينئذ إمكان آخر ذهني ، فهو تسلم (1) لما قلناه أيضا.
** الوجه الثاني :
قيام الموجود بالمعدوم ، أو قيام الصفة بغير الموصوف ، أو سبق الوجود على الإمكان ، والكل باطل ، فالمقدم كذلك.
بيان الشرطية : أن الإمكان الثابت للحادث إما أن يثبت قبل وجوده أو لا. فإن كان الثاني ، لزم سبق الوجود على الإمكان. وإن كان الأول ، فإما أن يكون قائما بذاته فيكون جوهرا ، إذ لا معنى للجوهر إلا المستغنى في وجوده عن محل يقوم به. (2) وأما أن يكون قائما بغيره ، فذلك الغير إما الموصوف ، فيلزم قيام الموجود بالمحل المعدوم ، أو غيره (3)، فيلزم قيام الصفة بغير موصوفها. وأما بطلان الأقسام فظاهر ، فإن الإمكان أمر نسبي يتوقف على ثبوت المنتسبين ، فلا تعقل جوهريته وقيامه بذاته واستقلاله بالوجود عن محله. والضرورة قاضية بسبق الإمكان على الوجود ، فإن الشيء يمكن أن يوجد ، ثم يوجد بفاعله. ولا يصح أن يقال : يوجد ، ثم يمكن وجوده. ولو جوزنا قيام الموجود بالمعدوم ، لجوزنا كون الأجسام عدمية ، لأن المشاهد منها ليس إلا الأعراض ، وذلك عين السفسطة. ولو جوزنا قيام الصفة بغير الموصوف ، لجوزنا أن يكون زيد عالما قادرا ذا لون مخصوص وكم
Page 115