361

Nihāyat al-ījāz fī sīrat sākin al-Ḥijāz

نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز

Publisher

دار الذخائر

Edition

الأولى

Publication Year

١٤١٩ هـ

Publisher Location

القاهرة

بالنزول، فقالوا: ننزل علي غير ماء! ووقع من معجزاته ﷺ نبع الماء في ذلك المكان حتّى صدر الناس عنه، وتأهبت قريش للقتال، وبعثوا رسولهم «عروة بن مسعود الثقفي» سيد أهل الطائف رضى الله عنه- فإنه أسلم بعد ذلك- إلي النبى ﷺ، وقال: إن قريشا لبسوا جلود النمور (أى أظهروا العداوة والحقد) وقد نزلوا بذي طوي «١» وعاهدوا الله ألاتدخل عليهم مكة عنوة أبدا» . ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله ﷺ وهو يكلمه، وهذه عادة العرب: أن الرجل يتناول لحية من يكلمه خصوصا عند الملاطفة، وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير، لكن كأنه ﷺ إنما لم يمنعه من ذلك استمالة وتأليفا له، وكان المغيرة بن شعبة قائما علي رأس رسول الله ﷺ ومعه السيف، وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلي لحية النبى ﷺ ضرب يده بنصل السيف، ويقول «كفّ يدك عن مس لحية رسول الله قبل ألاتصل إليك» فإنه لا ينبغى لمشرك ذلك، وإنما فعل ذلك المغيرة رضى الله عنه إجلالا لرسول الله ﷺ، ولم ينظر لما هو عادة العرب، فلما أكثر عليه غضب عروة، وقال: «ويحك ما أفظّك وأغلظك»، فتبسم رسول الله ﷺ وقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. ثم قام عروة من عنده وهو يرى ما يصنع أصحابه: لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا سقط من شعره شيء إلا أخذوه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدّون النظر إليه تعظيما له، فرجع عروة إلي قريش، وقال لهم: إنى جئت كسرى وقيصر في ملكهما، فو الله ما رأيت ملكا في قومه مثل محمد في أصحابه.
وورد أيضا في حديث الحديبية أنه لما نزل ﷺ علي الركية «٢» جاءه بديل بن ورقاء الخزاعى في نفر من قومه من أهل تهامة، فقال: «تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا عداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل «٣» وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت» .

(١) ذو طوي: موضع عند مكة (وقيل بالفتح، وقيل بالكسر، ومنهم من يضمها) واد بمكة، قيل: هو الأبطح «كذا في المراصد» .
(٢) الركية: البئر، جمعها ركّي، وركايا.
(٣) العوذ: الحديثات النتاج من الظباء وكل أنثي. والمطافيل: جمع مطفل، وهى ذات الطفل من الإنس والوحش وغيرهما.

1 / 310