الفصل الثالث في ظواهر السنة الثالثة من الهجرة وما فيها من الغزوات
وفي هذه السنة الثالثة من الهجرة كانت غزوة إمرّ «١»:
ويقال لها غزوة «غطفان» «٢» وغزوة «أنمار» . و«إمر» بكسر الهمزة وفتح الميم وتشديد الراء: اسم ماء. وذلك أنه ﷺ بلغه أن رجلا يقال له «دعثور» (بضم الدال وسكون العين ثم ثاء مضمومة) ابن الحارث الغطفانى (من بنى محارب) جمع جمعا من ثعلبة ومحارب بموضع من ديار غطفان، يسمى ب «ذى إمر» باسم الماء الذى فيه، يريدون الإغارة على أطراف المدينة، فخرج إليهم ﷺ في أربعمائة وخمسين رجلا من أصحابه، لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل، فى السنة الثالثة من الهجرة، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فلما سمعوا بمسير رسول الله ﷺ هربوا في رؤوس الجبال. وفي هذا المحل أصاب رسول الله ﷺ المطر الكثير، فبل ثيابه وثياب أصحابه، فنزع ﷺ ثوبيه ونشرهما على الشجرة ليجفا، واضطجع بمرأى من المشركين، فبعث المشركون دعثورا الذى هو سيد القوم وأشجعهم المجمّع لهم، قالوا له: قد انفرد محمّد، فعليك به. فجاء ومعه سيفه حتّى قام على رأس رسول الله ﷺ، ثم قال: من يمنعك منى اليوم؟
فقال ﷺ: الله. ودفعه جبريل في صدره فوقع على ظهره، فوقع السيف من يده، فأخذ السيف رسول الله ﷺ، وقال: من يمنعك منى اليوم يا دعثور؟ قال:
لا أحد، كن خير اخذ. فتركه وعفا عنه، فقال: أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أجمّع الناس لحربك أبدا. فدفع له النبى ﷺ سيفه، فقال دعثور: والله إنك لخير مني، ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام، وأخبرهم أنه رأى رجلا طويلا دفعه في صدره، فوقع على ظهره، فقال: علمت أنه ملك، فأسلمت، فنزلت هذه الاية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... الاية [المائدة: ١١]، ثم أقبل رسول
(١) ذو إمر: موضع بئر، غزوة لرسول الله ﷺ قيل: هو من ناحية النخل بنجد، من ديار غطفان، والأمر: حجارة تجعل كالأعلام. كذا من المراصد بلفظه.
(٢) غطفان: اسم لقبيلة من قبائل العرب.