Nihayat Ijaz
نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز
Publisher
دار الذخائر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٩ هـ
Publisher Location
القاهرة
فالأزمان متكافئة في حدّ ذاتها، والفضل إنما هو بالخصوصيات المنسوبة إليها؛ فقد ذهب العز بن عبد السلام إلى أن التفضيل إنما هو بين العقلاء، ولا يجرى في غيرهم من الأماكن والأزمان إلا باعتبار ما يقع فيها من الأعمال والعبادات، لا في ذواتها.
ومذهب غيره أن التفضيل يكون بالذات: كتفضيل العلم على الظن، وبالصفة: كتفضيل القادر على العاجز، وبالطاعة: كتفضيل الولىّ عى غيره من المؤمنين، وبالثواب: كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود، وبما حل فيه: كتفضيل مزاره ﷺ على سائر البقاع، وبالإضافة: كبيت الله، وحزب الله، وبالانتساب: كزوجاته ﷺ وزريته، وبالثمرة والجدوى: كتفضيل الرسالة على النبوة، وبتفاوت الثمرة وتحققها: كما في العلوم المدوّنة، وبما يفيضه الله تعالى على الأماكن والأزمان بفيضه وكرمه: كاختصاص عرفة بالوقوف. فلا عبرة بمذهب من سوّى بين الأعيان والأزمان والأماكن، وزعم أنه لا مزية لشىء، وإنما هو مجرد ترجيح بلا مرجّح؛ فإن قوله باطل، ويكفى في فساده أنه يقتضى أنّ ذوات الرسل كذوات أعدائهم، وأن البيت الحرام كغيره من البيوت، والحجر الأسود كغيره من الأحجار من غير فرق، ولا قائل بذلك، بل التفضيل له معان وأسباب، ومن هذا يعلم أيضا أن التفضيل بين العقلاء ليس بكثرة الثواب والعمل فقط، وهو الحق، فالتفضيل للأنبياء بقرب المنزلة من الله وعلوّ المرتبة وكثرة الخصائص والمعجزات، كخاصة الإسراء لنبينا ﷺ وإضافته إليه في قوله سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ قال أبو سلمان القاسم الأنصاري:
لما وصل رسول الله ﷺ إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في المعارج، أوحى الله إليه: بم أشرّفك؟ فقال: يا رب بنسبتى إلى نفسك بالعبودية، فأنزل الله تعالى فيه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ولذلك قيل:
يا قوم قلبى عند أسماء ... يعرفه السامع والرائى
لا تدعنى إلّا بيا عبدها ... فإنّه اشرف أسمائى
1 / 166