Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
وأما الجواب عن المعضلة التي أوردوها نقول لا يمكن أن يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعرف من يجلس للإمامة بعده وينوب منابه فإن كان يخبر أصحابه بما سيكون بعده إلى يوم القيامة من الفتن والبلايا وخروج الدجال ولقد قال صلى الله عليه وسلم زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها وكان يخبر أصحابه العشرة بما يفعله كل واحد ويجري عليه من القدر وأخبر عليا رضي الله عنه إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وحديث ذي الخويصرة حيث ناظر ونافق وأنه سيخرج من صيصى هذا الرجل وآيتهم ذو الثدية معروف وما قال له في صلح الحديبية إنك ستبتلى بمثل ما بليت به وصح ذلك يوم التحكيم وما أطلعه الله تعالى على أمور أمه من حال أمته كما قال " ليستخلفنهم في الأرض " وقوله " قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " وما روي أنه رأى في المنام أن أبا بكر ينزع دلوا أو دلوين بضعف وأن عمر كان ينزع بقوة وشدة فقال عليه السلام فلم أر عبقريا يفري فريه وقال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فيبعد كل البعد أن لا يطلعه الله تعالى على من يجلس بعده لكن لا يبعد أن لا يظهره لأحد ولا ينص على شخص لأنه لم يكن مأمورا بذلك وإن قدر أنه مأمور لزم القطع بالنص والإظهار فإن الله تعالى بعثه هاديا مهديا وسراجا منيرا " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق " الآية.
فإن قيل قد أظهر ذلك يوم غدير خم حيث أمر الناس بالدوحات وخاطب الناس وأخذ بيد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار وهذا حين نزل قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " وقد فهم الجماعة من قوله من كنت مولاه فعلي مولاه الخلافة حيث هنأه عمر فقال بخ بخ يا علي أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة وقال عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقد قال عليه السلام أنا مدينة العلم وعلي بابها إلى غير ذلك من الأخبار.
قيل إن اقتنعتم بمثل هذه الأخبار فخذوا منا في حق أبي بكر كذلك حيث روى مسلم في صحيحه أنه قال عليه السلام أيتوني بدواة وكتف أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان وقال ليصل بالناس أبو بكر وقال إن وليتموها أبا بكر تجدوه ضعيفا في نفسه قويا في أمر الله تعالى وإن وليتموها عمر تجدوه قويا في نفسه قويا في أمر الله وإن تولوها عثمان يسلك بكم مسلك السداد وإن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم وقال لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان وقال حملة الحديث لما نزلت سورة الفتح جاء العباس إلى علي رضي الله عنهما وقال إني أعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب وأنى برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نعى إليه فانطلق بنا إليه نسأله لمن الأمر بعده فإن كان فيكم فأنتم وذاك وإن كان في غيركم أوصى بكم إلى الوالي فأبى عليه علي ورجع العباس إلى النبي فقال له في ذلك فخطب الخطبة المعروفة إلى قوله إلا من ولي هذا الأمر فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم فقيل يا رسول الله أوص بقريش فقال الناس تبع لقريش ثم قال أوصيكم بأهل بيتي وعترتي خيرا فإنهم لحمي احفظوا منهم ما يحفظون فيما بينكم وهذا كله من الأخبار دليل على الاختيار.
فإن قيل إنما قلنا طريق العلم بتعيين الإمام النص دون الاختيار لأن الإمام يجب أن يكون على صفات مخصوصة منها العصمة ومنها العلم والعقل ومنها الشجاعة ومنها العدل على الرعية ولا مجال للاجتهاد وغلبات الظنون في معرفتها ومعرفة مقاديرها بل لا يعلم ذلك إلا بالنص من الرسول مستندا إلى وحي من الله فإذا كنتم تختارون الأئمة بظواهرهم وتجوزون أن يكونوا من الزنادقة في الباطن وأن يكذبوا على الله ورسوله وأن يعطلوا الحدود ويبطلوا الحقوق ويتأولوا متشابهات القرآن على غير وجهها وينقلوا الأخبار على غير طريقها افتراء على الله ورسوله أو لم يعهد من بني أمية التعرض لأهل البيت قتلا وهتكا للحرمة واستحلالا للأموال أو لم ينقل عنهم الظلم والجور على الرعايا وملابسة الفسق والفجور فما يؤمنكم أن متابعتكم أئمة الجور تورثكم النار وبئس المصير.
Page 173