Nihayat Aqdam
نهاية الإقدام في علم الكلام
Genres
فنقول اتفقنا على أن العالم جايز لذاته محتاج إلى مرجح لجانب الوجود على العدم فالمرجح لا يخلو إما أن يرجح من حيث هو ذات أو من حيث هو وجود ويلزم عليه أمران أحدهما أن يكون كل ذات وكل وجود مرجحا والثاني أن يحدث ما يجوز وجوده مما لا يتناهى فان نسبة الجميع إلى الذات والوجود نسبة واجدة والوجهان محالان وإما أن يرجح من حيث هو ذات أو وجود على صفة أو على اعتبار ووجه فان يرجح من حيث هو وجود على صفة فقد سلمت المسئلة وبطل الايجاب الذاتي وإن يرجح من حيث هو وجود على وجه كما قال الخصم أنه واجب الوجود لذاته وإنما أوجب من حيث أنه واجب لذاته وهو وجود على وجه فهو أيضا باطل فإن وجوب الوجود لذاته معناه أمر سلبي أي وجوده غير مستفاد من غيره ومن فهم وجودا غير مستفاد لم يلزمه أن يفهم أنه مفيد غيره وكذلك من فهم أنه عالم أو عقل وعاقل كما قال الخصم لم يلزم منه أن يفهم منه أنه موجد مفيد الوجود غيره لأن معنى كونه عقلا عند الخصم معنى سلبي أيضا أي مجرد عن المادة وبأن يكون مجردا عن المادة لا يلزم أن يكون مفيد الوجود لغيره فبطل الإيجاب الذاتي من كل وجه وتعين أنه إنما أوجد لكونه على صفة ولتلك الصفة من حيث ذاتها صلاحية التخصيص والإيجاد عموما بالنسبة إلى ما حصل على الهيئة التي حصل وبالنسبة إلى غيرها نسبة واحدة ولها أيضا خصوص وجه بالنسبة إلى ما حصل دون ما لم يحصل وذلك الخصوص لها عند إضافتها إياها إلى غيرها.
فنقول لما علم الباري وجود العالم في الوقت الذي وجد فيه أراد وجوده في ذلك الوقت فالعلم عام التعلق بمعنى أنه صفة صالحة لأن يعلم به جميع ما يصح أن يعلم والمعلومات لا تتناهى على معنى أنه علم وجود العالم وعلم جواز وجوده قبل وبعد على كل وجه يتطرق إليه الجواز العقلي والإرادة عامة التعلق بمعنى أنها صفة صالحة لتخصيص ما يجوز أن يخصص به والمرادات لا تتناهى على معنى أن وجوه الجواز في التخصيصات غير متناهية ولها خصوص تعلق من حيث أنها توجد وتوقع ما علم وأراد وجوده فإن خلاف المعلوم محال وقوعه فالصفات كلها عامة التعلق من حيث صلاحية وجودها وذواتها بالنسبة إلى متعلقاتها إلى ما لا يتناهى خاصة التعلق من حيث نسبة بعضها إلى بعض والإرادة لا تخصص بالوجود إلا حقيقة ما علم وجوده والقدرة لا توقع إلا ما أراد وقوعه وتعلقات هذه الصفات إذا توافقت على الوجه الذي ذكرناه حصل الوجود لا محالة من غير تغيير يحصل في الموجد وإنما يتعذر تصور هذا المعنى علينا لأنا لم نحس من أنفسنا إيجادا وإبداعا ولا كانت صفاتنا عامة التعلق فعلمنا إذا لم يتعلق إلا بمعلوم واحد ولم تتعلق إرادتنا إلا بمراد واحد ولا قدرتنا إلا بمقدور واحد لا على سبيل الإيجاد ولن يتصور بقا صفاتنا لكونها إعراضا فيتقاضى عقلنا وحسنا حدوث سبب لحدوث أمر حتى لو قدرنا علما وإرادة وقدرة لها عموم التعلق بمتعلقات لا تتناهى على معنى صلاحية كل صفة لمتعلقها وقدرنا صلاحية قدرتنا للإيجاد وقدرنا بقا الصفات فعلمنا وجود شيء بقدرتنا وإراداتنا في وقت مخصوص ودخل الوقت لا نشك أن الشيء يقع ضرورة من غير أن تتغير ذاتنا أو يحدث أمر أو سبب لم يكن وهذا كما يقدره الخصم في العقل الفعال وفيضه فإنه يقول هو عام الإفاضة واهب للصور على الإشاعة من غير تخصيص ثم يثبت له نوع خصوص بالإضافة إلى القوابل والشرايط التي تتكون فتحصل استعدادا في القوابل فيختص الفيض بقابل مخصوص على قدر مخصوص فخصوص الفيض بسبب خارج عن ذات المفيض لا يقدح في عموم الفيض باعتبار ذاته على أن الإيجاب الذاتي عند الخصم فيض ذاتي هو وجود عام لا خصوص فيه ولكنه إنما يفيض منه واحد ثم من الواحد يفيض عقل ونفس وفلك ومن كل عقل ونفس عقل ونفس حتى ينتهي بالعقل الأخير ثم يفيض منه الصور على الموجودات السفلية وتنتهي بالنفس الناطقة.
فنقول ما الموجب لحصر الموجودات في هذه الذوات ولا خصوص في الفيض وإن تناهي الموجودات عددا ومكانا كتناهي الموجودات بداية وزمانا.
فإن قلتم أن الخصوص عندنا يرجع إلى قبول الحوامل فيقدر الفيض بمقدارها.
Page 15