هي :
إذا أعجبتك ثلاثة آلاف (السعر هنا مخفض لأنه كما ترى بمعدل مائة دولار في الليلة الكاملة الواحدة).
هو :
وإذا لم تعجبيني؟
هي :
أعتقد أني أتحدث إلى رجل ذكي، كيف لا أعجبك لليلة وتريد السؤال عن ثمن شهر؟ (نبتت نقطة عرق باردة واحدة في أخدود رقبته من الخلف، وكأن شعر قفاه أمطرها، رذة صيف.
إنه أمام امرأة ذكية جدا، هذا ليس حوار بغايا. أول مرة رآهن كان طالبا في الجامعة، وكان زميله في الشقة يغواهن مثل أبيه، بل أحيانا كان الأب والابن يشتركان معا، واشتهر هو بحجرته واشتهرت كذلك شقتهم بين بغايا شارع قصر العيني والمنيرة وحتى المدبح، وكان فتيات آخر الليل، على الأقل أولئك اللاتي لم يظفرن بزبائن، قصيرات نحيفات متواضعات الملابس والهيئة، معظمهن فيما كان يعتقد يعانين من أمراض سرية، بل إنه عالج واحدة منهن من الجرب، وظلت الشقة تحفل برائحة الكبريت زمنا. كن يأتين، ثلاثا، أربعا وربما خمسا ينمن في الصالة، على البلاط، بلا غطاء، على الأقل هذا مأوى أحسن من الشارع وعمود النور، ما إن يضعن رءوسهن على البلاط حتى يذهبن في نوم عميق. واحدة منهن كانت تستيقظ وتوقظهن فزعة تصرخ من كابوس مزعج، فسرته لهم في لحظة رعب أنه عمها الذي رباها واعتاد أن يضربها وينالها، ولماذا الصراخ؟ لأني اعتدت على أن أنام مضروبة معتدى عليها، ولماذا الفزع؟ لأن النوم العادي يسبب لي الكوابيس، العادي يسبب الكوابيس؟ أجل، كابوس أن أموت؛ فالضرب يشعرني أني حية، والاعتداء يجعلني أهفو وأحلم وأعيش على أمل ليلة أخرى.
لك الله يا عوض، دفعه حب الاستطلاع ذات مرة لتفتيش كيس نقود واحدة منهن (فلم يكن لأيهن سوى واحدة - اسمها تحية - حقيبة يد) في الكيسة خمسة قروش وتعويذة زرقاء، وبضع «بنسات شعر» وخطاب قديم جدا من أخيها ليس فيه سوى إهداء السلام. أما المحير فهو زجاجة صغيرة مملوءة لآخرها بصبغة يود مركزة، حسبها تستعملها للتطهير بعد مزاولة الشغل، ولكن في الصباح كان حب الاستطلاع أقوى، فصبغة اليود كاوية لاهبة، اعترف لها بتفتيش الكيس، وسألها عن صبغة اليود الزجاجة، بلا دراما مستقاة من الأفلام، وبلا انفعال قالت: هذه لأشربها إذا أمسكوني.) - من؟! - بوليس الآداب. - ولماذا تشربينها؟ إن هي إلا بضعة أيام حبس ولا تستدعي الانتحار.
قالت: معظمنا لدينا زجاجات مثلها، ومن علمتني الكار علمتني احتياطيا حمل الزجاجة. - لتنتحري؟ - وإيه يعني! - تموتين؟! - إني أعيش كالكلبة، ولا يجري ورائي سوى كلاب الصائدين (تقصد أفقر صائدين، أفقر من الكلاب الضالة.) - إذن لماذا لا تزالين تعيشين، ولماذا لم تشربيها إلى الآن؟ - الروح حلوة، وهذه آخر ملجأ. - هل استعملتها؟ - لا، واحدة زميلتي عملتها. - وأفاقت؟! - لا تزال بالمستشفى، وعلى العموم ماذا يحدث؟ سيحدث واحد من اثنين إذا انزنقت: إما أن أشربها وأموت وأستريح من لف الشوارع ونوم البلاط والكي بأعقاب السجائر جلبا للمتع الجنسية الشاذة، وإما ألا أموت ويأخذوني إلى المستشفى، بوليس آداب القسم غصب عنه يأخذني إلى المستشفى، ورغم ما يصورونه من دخول أنبوبة غسيل المعدة فهو كله أنابيب وكله سائل وإدخال وغسيل، إنما المهم أني سأضمن أن أقضي عدة أيام بالمستشفى، أكل وشرب ونوم، ولا توجد رائحة رجال. - ولكنك ستخرجين مرة أخرى للكلاب الصائدين. - أي نعم، ولكني أنتهز فرصة وجودي بالمستشفى وأعبئ زجاجة أخرى من صبغة اليود المركزة. - من يعبئها لك؟ - التومرجي. - ببلاش؟ - لا شيء ببلاش. خمس دقائق مع التومرجي في مرحاض من مراحيض قصر العيني الكثيرة.
هي :
Unknown page