Nazariyyat Tatawwur Wa Asl Insan
نظرية التطور وأصل الإنسان
Genres
ثم ظهرت الحيوانات الجوفاء؛ مثل المرجان والقنديل، وهي ذات طبقتين من الخلايا تحتويان على كيس أجوف، ومضت أيضا مدة متطاولة على العالم وليس فيه من الحيوان سوى الخلية المفردة والإسفنج وهذه «الجوفاء» من الحيوان؛ لأن التطور - كما قلنا - كان بطيئا في الدهور القديمة.
وقد قلنا إن الأحياء الأولى نشأت في الضحاضح، فكان ينحسر عنها الماء فتتعرض للشمس فتجف وتموت، كما نرى الآن القنديل ميتا على شواطئ الإسكندرية؛ لأن مادة الحيوانات كانت هلامية سريعة الجفاف إذا زال عنها الماء.
فظهرت لهذا السبب الحيوانات «الشائكة»، وظهورها يعتبر خطوة مهمة في التطور؛ لأنها حصلت على بشرة جامدة بعض الجمود، إذا انحسر عنها الماء لم تجف، بل تبقى حية مدة غير قصيرة، حتى إذا عاد الماء انتعشت، وكانت تمتاز على ما سبقها أيضا بأن لها قناة هضمية، هي الترسيم البدائي لقناتنا نحن، داخل جوفها، ونرى فيها أيضا مصاصات يحاول هذا الحيوان الأول أن يتحرك بها؛ وأمثلة هذه الحيوانات هي خيار البحر ونجمة البحر، وكلاهما يرى على شواطئ الإسكندرية، وله بشرة شائكة.
وكان التقدم بطيئا أيضا، ثم ظهرت الحيوانات «الحلقية»؛ أي المؤلفة من حلقات، فأسرع التطور بعض السرعة؛ لأن الحيوانات التي ظهرت إلى هذا العهد لم يكن لها شكل متوازي الجانبين، وإنما كانت تنمو نموا اعتباطيا كما هو الحال في الإسفنج، أو كانت مستديرة كالقرص لها عدة أشعة كنجمة البحر.
فكان التقدم بطيئا، بل قل إنه كاد يقف؛ لأن الحيوان لم يكن له وجه يتجه به في حركته وتنشأ فيه حواسه وسائر أعضائه الملهمة؛ كالفم والأنف والعين، فلما ظهرت الحيوانات الحلقية؛ كالدود، حدث التخصص في عدة نواح من أجزاء الجسم، وأخذ الحيوان يخرج من الماء إلى اليابسة؛ من الدود نشأت القشريات والعناكب والحشرات؛ لأن كل هذه الحيوانات لا تزال إلى الآن ذات حلقات.
وإلى هنا كانت أغراض الحيوان ثلاثة: (1)
أن تكون له بشرة جامدة بعض الجمود، تمنع تبخر المياه التي في جسمه عند التعرض للريح والشمس وقت انحسار الماء عنه. (2)
أن يتجه بناحية واحدة من جسمه، وأن ينمو متوازيا له جانبان. (3)
أن تتخصص الوظائف في أعضائه، فلا يكون الجسم كله عينا وأذنا - مثلا - وإنما يختص جزء منه بالعين وآخر بالأذن، وهلم جرا.
وهنا يجب أن نقف ونقول إن جميع الحيوانات لا تزال أحياء مائية وإن كانت تعيش في غير الماء؛ فجسم الإنسان - مثلا - قد يزن 150 رطلا كلها مغمورة في الماء، بل في الماء المالح، ماء البحر، وهو الدم، ما عدا رطلا واحدا تقريبا هو المصنوعة منه البشرة التي تحمي هذا السائل، وكذا الحال في جميع الحيوانات؛ فإننا لما خرجنا إلى اليابسة لم نخرج قبل أن نصنع لأنفسنا بشرة جامدة تمنع تبخر الرطوبة المائية التي في داخل أجسامنا، وكانت الحيوانات «الشائكة» هي الأولى في محاولة ذلك.
Unknown page