وإجلالا لأجل عظيم قدرك
فقلت له: وأين زادك وراحلتك؟ فنظر إلي منكرا قولي ثم قال: أرأيت عبدا ضعيفا قاصدا مولى كريما حمل إلى بيته طعاما وشرابا؟ فلو فعل ذلك لأمر الخدام بطرده عن بابه، إن المولى جلت قدرته لما دعاني إلى القصد إليه أورثني حسن التوكل عليه، ثم غاب عني وما رأيته بعد.
خير الدواء
مر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أحد شوارع البصرة، فإذا هو بحلة كبيرة والناس حولها يمدون إليها الأعناق ويشخصون إليها الأحداق، فمضى إليهم ينظر ما سبب اجتماعهم، فإذا فيهم شاب حسن الشباب نقي الثياب عليه هيئة الوقار وسكينة الأخيار وهو جالس على كرسي والناس يأتون بقوارير من الماء وهو يداوي المرضى ويصف لكل واحد منهم ما يوافقه من أنواع الدواء، فتقدم إليه وقال: عليك السلام أيها الطبيب ورحمة الله وبركاته، هل عندك شيء من أدوية الذنوب فقد أعيا الناس دواؤها؟ فرفع الطبيب رأسه بعدما رد السلام وقال: أتعرف أدوية الذنوب بارك الله فيك؟ قال: نعم، قال: صف وبالله التوفيق، قال: تذهب إلى بستان الإيمان فتأخذ من «عروق» حسن النية ومن «حب» الندامة و«ورق» التدبير و «بذر» الورع و«ثمر» العفة و«أغصان» اليقين و«لب» الإخلاص و«قشور» الاجتهاد و«عروق» التوكل و«أكمام» الاعتبار و«ترياق» التواضع، تأخذ هذه الأدوية بقلب حاضر وافركها بأنامل من التصديق وكف من التوفيق، ثم نضعها في «طبق» التحقيق، ثم نغسلها بماء الدموع، ونضعها في «قدر» الرجاء، ثم توقد عليها بنار الشوق حتى ترغي زبد الحكمة، ثم نفرغها في «صحاف» الرضا، وتروح عليها بمراوح الاستغفار ينعقد لك من ذلك «شربة» جيدة تشربها في مكان لا يراك فيه أحد غير الله، فإن ذلك يزيل عنك الذنوب حتى لا يبقى عليك ذنب، ثم أنشأ الطبيب يقول:
يا خاطب الحوراء في خدرها
شمر فتقوى الله من نهرها
وكن مجدا ولا تكن وانيا
وجاهد النفس على سيرها
ثم شهق شهقة فارق بها الحياة الدنيا: فقال والله إنك لطبيب الدنيا وطبيب الآخرة، ثم أمر بتجهيزه ودفنه.
داء ودواء
Unknown page