كان جنديان بريطانيان في مستعمرة أفريقيا الشرقية يتقدمان فرقتهما تحت جنح الظلام مستطلعين وإذا أسد شرس قد وثب عليهما يريد افتراسهما، وكان هذان الجنديان على مقربة من مواقع الألمان فخشيا أن يطلقا نارهما على الأسد فينتبه العدو إلى وجودهما ودنو البريطانيين؛ فعمدا إلى قتل الأسد طعنا بحراب بنادقهم ولكن الأسد فاز على أحدهما فصرعه وقضى عليه ولم يستطع الجندي الآخر قتل الأسد إلا بعدما جرح جروحا بالغة وفي الصباح عثر رجال الفرقة على الجندي المقتول وجثة الأسد والجندي الجريح في حالة النزع. •••
وهذه حادثة حصلت أثناء هجوم الجنود البريطانيين على خنادق العثمانيين بقرب عشي بابا في غليبولي، فقد كان جنود الأعداء متيقظين لكل حركة تبدو فخطر لضابط من فرقة نيوزيلند خاطرا؛ فأخذ نفرا ونحو عشر قنابل يد ووقف على أعلى الخندق معرضا نفسه لخطر عظيم مستهدفا لنار العدو، وأخذ يرمي تلك القنابل على خنادق العثمانيين فانصب عليه الرصاص وتحولت إليه أفواه البنادق وفي أثناء ذلك تسنى للجنود البريطانيين مباغتة العثمانيين أعدائهم والاستيلاء على خنادقهم وأسرهم جميعا. •••
بسالة ملازم إنكليزي: حدث أن الملازم سمث ورفيقه الهندي السخ لال سنغ خاطرا بحياتهما مستبسلين غير مبالين بالموت الزؤام، وتحرير الخبر إن فرقة من فرق السخ الهندية تقدمت وحلت محل فرقة بريطانية في جهة من جهات أحد الخنادق التي كانوا قد استولوا عليها عنوة وانتزعوها من الألمان في فرم بواه بفرنسا، وكان في الطرف الآخر من هذا الخندق قوة كبيرة من العدو لا تزال كامنة تتربص الفرص لاسترجاع ما فقدته، ففي صباح اليوم الثاني لاحتلال الهنود للخندق إذا الألمان قد وصل إليهم في أثناء الليل مدد كبير فدارت رحى القتال بإطلاق البنادق وإلقاء القذائف، ولم ينتصف النهار حتى كانت ذخيرة الهنود قد نقصت ولم يستطع من في الخنادق الخلفية إمدادهم؛ لأن الأعداء صوبوا مدافعهم السريعة على طول خط الرجعة فجعلت تحصد كل من يجيء بالمدد والذخيرة إلى الهنود فتكدست الأرض بالأشلاء، وكان البعد بين الخندق الأمامي والخندق الخلفي 250 يردا فرأى ضابط الفرقة أن يعيد إرسال النجدات، وفاوض رجاله في الأمر فتقدم عشرة من الهنود السخ متطوعين لإنجاد رفاقهم وتطوع الفتى سمث الملازم لمرافقتهم وخرجوا من الخندق زاحفين على بطونهم وجارين صندوقا كبيرا فيه ذخيرة، ولكن الألمان أحسوا بهم فأصولهم نارا حامية وأمطروهم وابلا من رصاصهم فقتلوا تسعة منهم وبقي الملازم سمث والجندي الهندي فرفعا صندوق الذخيرة على كتفيهما غير مبالين بالخطر المحدق بهما، وكانت شظايا القنابل ورصاص البنادق تتساقط حولهما، وعبرا في طريقهما نهرا صغيرا وبلغا خندق رفقائهما سالمين، ولكن الهندي سقط صريعا برصاصة أصابته في الخندق عند وصوله أما سمث فقد أنعم عليه بنشان فكتوريا جزاء بسالته وإقدامه. •••
تاريخ عسكري مجيد حارب خمسين سنة: نعت صحف أوروبا على اختلاف لغاتها وتباين مشاربها ضابطا فرنسويا كان خامل الذكر قبل هذه الحرب فصار اسمه يردد الآن بكل شفة ولسان لتاريخه العسكري المجيد، أصابته شظية قنبلة في فخذه اليسرى في إحدى معارك السوم الأخيرة فمزقتها، وبينما كان أربعة من رجاله ينقولنه إلى المؤخرة أصابته رصاصة في جبهته وقتلته.
اسم هذا الضابط الكبيتان إيزادور دوماس، وقد انتظم في الجيش الفرنسوي سنة 1867 لما أرسلت فرنسا جيشا إلى رومية لإعادتها إلى السلطة البابوية وكان عمره 19 سنة، والتحق بفرقة الزواف وجرح لأول مرة في معركة منتانا وشهد حرب سنة 1870 وكان ملازما في الفرسان في الفرقة التي أغارت إغارتها المشهورة في معركة ريتشوفن، فجرح فيها وأسر ولكنه تمكن من التملص من الأسر وعاد فالتحق بجيشه وظل يحارب فيه إلى نهاية تلك الحرب، وحارب بعد سنة 1871 في كل مكان بأفريقيا كالجزائر وتونس والكونغو الفرنسوي والسنيغال وغينيا الفرنسوية ومستعمرة شاطئ العاج وشاطئ الذهب والسودان الفرنسوي ومدغسكر والمغرب الأقصى، فقضى خمسين سنة وهو يحارب بلا انقطاع في سبيل بلاده وإعلاء منارها وتوسيع أملاكها.
ولما نشبت الحرب الحاضرة رام الدخول في الجيش كجندي بسيط فرفض طلبه؛ لأنه كان قد جاز السادسة والستين فطلب الالتحاق بالجيش البلجيكي وقبل فيه وأسره الألمان في أول الحرب ولكنه تملص من أسرهم كما فعل منذ 43 سنة، وعاد إلى فرنسا وطلب الدخول في الجيش الفرنسوي فقبل فيه هذه المرة، وألحق بالآلاي الأفريقي قبل معركة المارن قليلا وشهد هذه المعركة وجرح فيها ست مرات، ولما برأت جروحه أرسل إلى الدردنيل فشهد حرب غليبولي من أولها إلى آخرها، ثم نقل منها إلى سلانيك وسار مع القوة الفرنسوية التي أرسلت لمعونة سربيا لما غزاها الجرمان والبلغاريون، وأصابته شظية قنبلة في إحدى المعارك التي دارت بين الفرنسويين والبلغاريين في وادي نهر الوردار فجرحته جرحا بليغا، ولما شفي من جروحه عاد إلى فرنسا ورقي إلى رتبة كبيتان في الآلاي الرابع والأربعين من المشاة، وشهد معارك فردون الأولى فجرح فيها وفقئت إحدى عينيه، وبرأ جرحه حالا فعاد إلى صف القتال وشهد معارك السوم كلها وقتل في إحداها في 12 أغسطس سنة 1916. •••
الجندي المتطوع: لا حكاية لهذا الجندي سوى أنه بولوني متطوع في الجيش الفرنسوي دفع إلى التطوع بعامل الحب لفرنسا والكره لألمانيا فأصيب بجروح بالغة في أثناء معركة فنقل إلى قبو بيت على مقربة من المكان الذي وقعت فيه تلك المعركة ريثما يأتي رجال الإسعاف لإسعافه، ولكنه أسلم الروح قبل أن يدركوه فلما وصلوا إليه ألفوه جثة لا حراك بها، وقد رفعت يده إلى جدار القبو ملطخة بالدم الذي كان يغمس فيه أنامله، وقد كتب بدمه على الجدار: «لتحيى فرنسا وبولونيا.» قبل أن يخرج نفسه الأخير، وقد نشرت صورته على تلك الحال في الصحف. •••
بينما كان جنديان فرنسويان يحفران نفقا يمتد من الخنادق الفرنسوية إلى ما تحت الخنادق الألمانية في مقاطعة أرتوى نسف الألمان جانبا من ذلك النفق وقطعوا على الجنديين خط الرجعة فكادا يدفنان حيين، ولكنهما لم ييئسا بل شرعا في حفر منفذ للنجاة ولقد ظلا في جوف الأرض محبوسين حيث لا ماء ولا نور ولا هواء ولا أكل إلا أنهما جدا في الحفر بما أوتياه من قوة ومهارة يومين كاملين حتى ملا وكلا وقطعا الرجاء من الحياة، وبينما هما كذلك أبصرا دودة تنساب في التراب فوق رأسيهما فعلما أن سطح الأرض غير بعيد عنهما فتشددا واستمدا من الضعف قوة وما زالا يحفران حتى فتحا ثغرة في سطح الأرض فاستنشقا الهواء النقي وانتعشا، ولكنهما ما عتما أن خالجهما السرور والابتهاج حتى انقلب فرحهما ترحا إذ سمعا جنودا يتكلمون باللغة الألمانية، فقالا أنهما واقعان في قبضة الأعداء إذا خرجا إلى سطح الأرض فآثرا الموت جوعا وتعبا على التسليم وعزما أن يعودا إلى حفر منفذ آخر في جهة مقابلة مع أنه كان قد نفد ما معهما من أكل وماء فجعلا يحفران وقبلتهما المواقع الفرنسوية، وإن القلم ليعجز عن وصف ما لقياه من صنوف العذاب الأليم والجوع والعطش والتعب؛ فكانا يقتاتان بجذور الأشجار والنبات التي يريانها ويعملان ساعة ويستريحان ساعة، وما فتئا على هذه الحال حتى فتحا ثغرة في مكان قريب من المواقع الفرنسوية بعدما مضى عليهما يومان وثلاث ليال في جوف الأرض، فصعد أحدهما إلى سطح الأرض وتوجه إلى الحارس (الديدبان الفرنسوي) وهو ينهب الأرض نهبا وصرخ فيه قائلا لا تطلق النار علي فأنا فرنسوي وقص عليه حكايته، فأخذه الحارس إلى قومندان الفرقة واستجوبه فقص عليه ما جرى له فأسرع هذا وأرسل من أنجد الجندي الآخر وكان لا يزال في النفق على آخر رمق، وأتوا بالاثنين معا إلى مركز الرئاسة وهما في حالة يرثى لها من الضنك والضعف والجوع، فأكبر القائد عملهما وأثنى على بسالتهما وأنعم عليهما بالمدالية الحربية «جزاء أمانتهما وبسالتهما وإيثارهما المخاطرة بحياتهم والبقاء تحت سطح الأرض إحدى وستين ساعة على التسليم إلى العدو والوقوع في الأسر.» •••
فعال الطيارات الفرنسوية: إذا كان الألمان يرسلون مناطيدهم إلى جو إنكلترا لإلقاء القنابل على الأطفال والنساء والناس الآمنين فإن طيارات الحلفاء تحلق فوق المعامل العسكرية الألمانية لتدمرها وتبيد ذخائرها، وقد ألقت هذه الطيارات أربعة أطنان من القنابل على معامل «موزر»، وقد نشرت الصحف تفصيل ضرب الطيارين بوشان ودوكور الفرنسويين لمعامل أسن الألمانية فإن تلك المعامل التي يشتغل فيها 80 ألف عامل بصنع المدافع والتي أخذت منذ 45 عاما تشتغل لتحقيق أمنية الإمبراطور غليوم إلى 1914 بالسيادة على العالم. كانوا يظنون أنها بمنجاة من كل خطر، ولكن الطيارين الباسلين دوكور وبوشان صرفا مدة في درس الهجوم عليها وبنيت لهما طيارتان خصيصتان لهذا الغرض جربتا كل التجربة وصنعت لإرشادهم الخرائط الدقيقة، وتمكن الطياران من كتمان الأمر حتى إن رفاقهما دهشوا عند تلاوة البلاغ عن رحلتهما الجوية؛ إذ صرف الطياران ساعة كاملة في الارتفاع إلى الجو وكانا قد اتفقا على السير معا وعلى أن يلقيا القنابل على المحطة العسكرية في كولونيا إذا عجزا عن ضرب معامل أسن، ولكنهما وصلا إلى جو تلك المعامل المظلم بالدخان المتصاعد من مداخنه بعد أن اجتاز 350 كيلومترا في ساعة و45 دقيقة، وكانا على ارتفاع 4 آلاف متر ولكي يكون ضربها المعامل محكما تقدم بوشان رفيقه سائرا فوق الشارع الكبير في مدينة أسن حتى صارا فوق غابة المداخن، فألقى قنابله الست الضخمة وأخذ صورة اتقادها وارتفاع أعمدة الدخان والنار، ثم اتجه غربا تاركا لرفيقه المكان لإتمام مهمته ففعل فعله وعاد الاثنان إلى فرنسا في جو محاذ لسويسرا، ولما وصلا إلى حظيرة الطيارات أخذ بوشان يلعب ألعابه الجوية دليلا على فرحه بإنجاز مهمته. •••
بينما كان طيار فرنسوي في طيارته ومعه مراقب يستكشفان مواقع الألمان في مقاطعة الوافر انبرت لهما طيارة ألمانية من طرز أفياتيك فأطلقت عليهما النار، ولكن الطيارة الفرنسوية تمكنت من الارتفاع فوق الطيارة الألمانية؛ فخاف الطيار الألماني من العاقبة وأدار دفة طيارته وولى الأدبار، وحدث أن محرك الطيارة الفرنسوية اختل بغتة فاضطر صاحبها إلى النزول في المنطقة الألمانية لإصلاحها؛ فشاهده الطيار الألماني عن بعد فظن أن الطيار الفرنسوي أصيب بعياراته النارية عندما أطلقها عليه ولم يعد قادرا على الطيران وأن طيارته أصبحت غنيمة في يده؛ فعاد بطيارته نحوه وهبط بقربه فلم يبد الفرنسوي أو رفيقه حركة ما بل تظاهر بالموت فترجل الطيار الألماني من طيارته ودنا من الطيارة الفرنسوية يريد أسرها فما كان من الطيار الفرنسوي إلا أن صوب مسدسه نحو الألماني وأطلقه في الحال فألقاه صريعا، ثم وثب من طيارته وأسرع نحو الطيارة الألمانية فأطلق الرصاص على المراقب الذي فيها فقتله وأخرجه منها وصعد إليها وادارها وطار بها وصرخ في رفيقه المراقب أن اتبعني فأدار هذا طيارته وتبعه وتم لهما أسر الطيارة الألمانية بهذه الحالة - والحرب خدعة. •••
Unknown page