179

Al-Naṣrāniyya wa-ādābihā bayna ʿarab al-jāhiliyya

النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية

Genres

ففي أيام الخلفاء الراشدين ولا سيما عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وفي أوائل الدولة الأموية ضربت نقود العرب على هيئتها النصرانية السابقة، ففي متاحف أوربا عشرات من النقود التي ضربت في دمشق وحمص وبعلبك وطبرية في أيام عمر في السنة ١٧ للهجرة وما بعدها وكلها عليها رسم هرقل ملك الروم مع صورته وسائر أشعرة النصرانية كأول حروف اسم السيد المسيح وكصليبه المقدس وصورة النسر، وعلى بعضها شعار قسطنطين الكبير: بهذه العلامة انتصر (كلمة سريانية) ثم سمة النقود M مع اسم المدينة باليونانية أو بالعربية هكذا: "ضرب، دمشق (حمص، طبرية، بعلبك، أيليا، أنطاكية) جايز"، ومعظم هذه النقود فلوس من نحاس وقد وجد على بعضها اسم عمر بالاختصار (عمر بن الخط) واسم خالد بن الوليد واسم يزيد بن أبي سفيان واسم أبي عبيدة.
وترى البسملة "باسم الله" مرموقة على عدة نقود من ذلك العهد كلمة وقال ياقوت في معجم البلدان (٤: ٨٨١) أن الحجاج بن يوسف أول من ضرب درهمًا عليه شعار الإسلام "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله"، وليس قوله بسديد لأنه تعرف نقود لعلي ابن أبي طالب ضربت في البصرة سنة ٤٠ هـ؟ عليها هذا الشعار "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وعلى الوجه الآخر "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق يظهره على الدين كله ولو كره المشركون".
ومن هذا ترى غلط معظم مؤرخي العرب الذين زعموا أن أول من كتب على النقود الإسلامية بالعربية هو الخليفة عبد الملك بن مروان، قال الثعالبي في لطائف المعارف (ص١٣): "أول من نقش على الدراهم والدنانير بالعربية عبد الملك بن مروان فإنه عني بذلك وكتب إلى الحجاج في إقامة رسمه".
وقد أخبر المقريزي في كتاب النقود الإسلامية (ص٥ طبعة الجوائب) أن معاوية ابن أبي سفيان كان قبل ذلك ضرب دنانير عليها تمثاله متقلدًا سيفًا، ومثل هذه الدنانير لم يجدها بعد الأثريون لكنهم وجدوا فلوسًا تمثل معاوية واقفًا وشعر رأسه مفروق على جبهته وفي يمناه السيف وفي ظهر الفلس اسم أيليا وفلسطين مع صليب على هذه الهيئة (يوجد رمز) فلما ملك الخليفة عبد الملك جرى أولًا على مثال أسلافه وأبقى الصليب مع صورته واسمه في الدنانير والفلوس إلى السنة العاشرة من ملكه ويوجد من هذه النقود بعض الأمثلة في المتاحف وهي مضروبة في حمص ودمشق وعمان وقنسرين ومنبج وسرمين وغيرها.
وهانحن ننقل هنا صور ثلثة نقود عربية ترتقي إلى أوائل الإسلام وعليها صور ملوك الروم ورموزهم المسيحية.
(يوجد صورة) .
A دينار عربي على وجهه صورة هرقل ملك الروم وفي يمناه الصليب وفي سره كره يعلوها صليب صغير، مع اسم طبرية باليونانية، وعلى ظهر الدينار سمة النقود M مع اسم خالد (بن الوليد) باليونانية.
(يوجد صورة) .
B فلس عربي على وجهه صورة هرقل الموصوفة، وعلى ظهره مع سمة النقود هذه الألفاظ بالعربية: صدر، دمشق، جائز.
(يوجد صورة) C فلس عربي على وجهه صورة الخليفة "عبد الملك أمير المؤمنين" وعلى ظهره صورة الصليب المرتكز على سارية مع اسم سيرين حيث ضرب، وهذا الفلس ممسوح أكثره وإنما وجدت منه نقود أخرى أجلى صورة مع كتابته العربية.
ففي السنة العاشرة من خلافته عدل عن النقود السابقة وأتخذ نقودًا جديدة خالية من الرسوم النصرانية ولذلك عده كتبة العرب كأول خليفة نقش الدنانير قال الطبري في تاريخه (٢: ٩٣٩ ٩٤٠): "أول نقش الدنانير والدراهم على عهد عبد الملك ابن مروان سنة ٧٦ هـ؟"، والصواب أنه ضرب أولًا النقود القديمة ونقش فيها صورًا أنكرها عليه بقايا من الصحابة كما يقر بذلك المقريزي في كتاب النقود الإسلامية (ص٦) وفي السنة ٧٦ هـ؟ (٦٩٦ م) ضرب نقودًا إسلامية محضة وأزال منها الصور والرسوم النصرانية، لكنه بقي شيء منها لعله ضرب بدون علمه ففي متحف باريس دينار ضرب سنة ٧٧ هـ! عليه صورة عبد الملك مع سارية نصرانية وفيه أيضًا نقود نحاسية ضربت في السمنة ٨٠ عليها رسم صليب.
أما سبب اتخاذه السكة الإسلامية فنفوره مما كانت الروم ترسمه على سكتهم من تعظم الصليب والإعلان بلاهوت المسيح، وهذا أيضًا ما دفعه إلى أن يحدث كتابات الطوامير والقراطيس التي كان في صدرها مثل هذه الأشعرة النصرانية، وقد أخبر بذلك البلاذري في فتح البلدان (ص٢٤٠):

1 / 179