263

Al-nāsikh waʾl-mansūkh

الناسخ والمنسوخ

Editor

د. محمد عبد السلام محمد

Publisher

مكتبة الفلاح

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٠٨

Publisher Location

الكويت

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُرْوَةَ ابْنَيْ الزُّبَيْرِ
كَمَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: " إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ " وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَأَنَّهُ عَنْ صَحَابِيٍّ يُخْبِرُ بِنُزُولِ الْآيَةِ وَإِذَا جَاءَ الشَّيْءُ هَذَا الْمَجِيءَ لَمْ يَسَعْ أَحَدًا مُخَالَفَتُهُ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] أَيِ السَّهْلَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَلَا تَغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَلَا تُعَنِّفْ بِهِمْ، وَكَذَا كَانَتْ أَخْلَاقُهُ ﷺ أَنَّهُ مَا لَقِيَ أَحَدًا قَطُّ بِمَكْرُوهٍ فِي وَجْهِهِ وَلَا ضَرَبَ أَحَدًا بِيَدِهِ وَقِيلَ لِعَائِشَةَ ﵂ مَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ " أَنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْكُفَّارِ أَمَرَهُ بِالرِّفْقِ بِهِمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِيَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فِيهِمْ قَالَ لِأَنَّ قَبْلَهُ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [الأعراف: ١٩٥] وَبَعْدَهُ ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ [الأعراف: ٢٠٢] " وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْأَخْلَاقِ السِّهْلَةِ اللِّينَةِ لِجَمِيعِ ⦗٤٤٩⦘ النَّاسِ، بَلْ هَذَا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ: وَاللَّهِ لَأَسْتَعْمِلَنَّ الْأَخْلَاقَ السِّهْلَةَ مَا بَقِيتُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْآيَةِ ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩] قَالَ عُرْوَةُ، وَالسُّدِّيُّ: «الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي قَالَاهُ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةَ يُقَالُ أَوْلَانِي فُلَانٌ مَعْرُوفًا وَعْرُفًا وَعَارِفَةً وَفِي الْحَدِيثِ «الْعُرْفُ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ» وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنِ اخْتِصَارِ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقَبُولُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَدَبَ إِلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ مِنَ الْعُرْفِ وَفِيهَا ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَ، وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ ﷺ أُمِرَ بِالسَّهْلِ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَتَرْكِ الْغِلْظَةِ لِأَنَّ بَعْدَهَا ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] أَيْ وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَسْوَسَةٌ وَتَحْمِيلٌ عَلَى تَرْكِ الِاحْتِمَالِ ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] أَيْ فَاسْتَجِرْ بِهِ مِمَّا عَرَضَ لَكَ ﴿إِنَّهُ سُمَيْعٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] لِاسْتِجَارَتِكَ وَغَيْرِهَا ﴿عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: ٢٠٠] بِمَا يُزِيلُ عَنْكَ مَا عَرَضَ لَكَ ⦗٤٥٠⦘، وَبَعْدَهَا أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ [الأعراف: ٢٠١] أَيِ اتَّقَوُا اللَّهَ تَعَالَى بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَعَاصِيهِ ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأعراف: ٢٠١] أَيْ عَارِضٌ وَوِسْوَاسٌ مِنْهُ ﴿تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: ٢٠١] وَعْدَ اللَّهِ وَوَعِيدَهُ وَعِقَابَهُ ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠١] الْحَقَّ آخِذُونَ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ التَّحَامُلِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْغِلْظَةِ عَلَى مَنْ قَدْ نُهُوا عَنِ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِ

1 / 448