Naql Ila Ibdac Card
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
كما يذكر الشرق القديم في كتاب «الهيئة»، البابليون الأقدمون والكلدانيون، وبختنصر؛ فقد استعان أبرخس بأرصاد البابليين الأقدمين، الكلدانيين. فلم تكن بلاد اليونان منغلقة على نفسها، بل كانت مفتوحة على الحضارات الشرقية القديمة خاصة في بابل عبر فلسطين وآسيا الصغرى، وقد سبق قدماء المصريين والبابليين والهنود والفرس واليونان في الفلك. فاليونان آخر القادمين. وكان ابن سينا على وعي بفرق التوقيت بين بابل والإسكندرية في مصر، الفرق في المسافة وفي الزمن. ولا تذكر جغرافيا بابل فقط بل تاريخها مثل تاريخ بختنصر. وأحيانا يكون التقابل بين الشرقيين والغربيين، بين جناحي العالم الإسلامي، ومصر وسطه، من أجل معرفة فروق التوقيت ساعة الرصد؛ فالليل في الشرق أطول منه في الغرب.
150 (ج) الموروث الديني
تكونت العلوم النقلية أولا، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، كما تأسست العلوم العقلية النقلية الكلام والأصول والتصوف قبل ترجمة الوافد والتعليق عليه وشرحه وتلخيصه وجمعه وعرضه، ثم التأليف والإبداع فيه. ولم تتأخر إلا الفلسفة وما ارتبط بها من حكمة رياضية وطبيعية. ثم أصبح هذا الموروث وعاء لتمثل الوافد في علوم الحكمة في كل مراحل تكوينها وأنواعها الأدبية.
بل إن العلوم الرياضية أو الطبيعية لم تخل من باعث ديني، فالعقل والطبيعة أساسان يقوم عليهما الوحي في نسق وحدة الوحي والعقل والطبيعة. فكتاب الهندسة مادة صورية خالصة، مجرد عرض حقائق رياضية دون إشكالات، وضع حدود ومصادرات بفعل العقل الخالص، العقل البديهي الطبيعي، العقل مع ذاته، صورة بلا مادة، علم العلم، عويص الفهم، بعيد الدلالة. ومع ذلك فقد يكون الباعث على ذلك باعثا دينيا. فالعقل أساس النقل، والعقل الخالص أداة البرهان مما يجعل ابن سينا أكثر دلالة في رسائله مثل الكندي والفارابي أكثر منه في موسوعاته، وقد يكون أدخل في تاريخ الرياضيات العقلي الصرف، استعراض علمي. إغراء البديهيات والأوليات جعلت الحكماء يشرحونها ويدخلونها ضمن الحكمة، وبالرغم من أنه ليس له مقدمة أو خاتمة تضعه وتبين مقصده فإن مجرد الاتساق العقلي عن طريق البرهان هو في حد ذاته أساس من أسس الوحي حتى ولو لم تكن هناك إشارة صريحة له على الإطلاق. قد تكون له دلالة على الموروث، تحويل الدين إلى عقل أو على الأقل سلبا، عدم تحريم الدين الاشتغال بالعلوم الرياضية. ليس المطلوب إذن معرفة إضافة ابن سينا على أصول الهندسة، بل إن إعادة كتابة النص هو في حد ذاته إعمال للعقل الخالص، والعقل أساس النقل. ويمكن أن يقال نفس الشيء على باقي أجزاء رياضيات الشفاء. تبدو أقرب إلى تاريخ العلم، تعبيرا عن العقل الخالص وليس العقل الإسلامي المتجه بالعقل الخالص إلى الفعل، الفرد والجماعة والتاريخ. ومع ذلك فقد يوجد الباعث الديني على نحو غير مباشر وراء العقل الخالص مثل تفرقة المسلمين بين الهندسة العملية والهندسة النظرية وربط الأولى بالمساحة التي كان لها شأن في توظيف الخراج وفصل الملكيات وبناء علم المناظر على الثانية.
151
وقسمة العدد إلى نفسه وإلى غيره قسمة معروفة في الفكر الديني سواء في الله أو في الوجود أو في العقل. ويبدو أنها قسمة عقلية صرفة بصرف النظر عن تطبيقاتها. والخواص هي السمات الذاتية للشيء في العقل وهو أقرب إلى الفكر الديني العقلي المجرد قبل أن يتحول إلى تشبيه وتجسيم في العقائد. كما أن تحليل الوافد الرياضي لا ينفصل عن صفة الوافد في الفكر الديني كما هو الحال عند الكندي، كما كان الباعث على قيام على الحساب تطبيقه في الدراسات الفقهية في علم المعاملات والفرائض والمواريث، ولم يكن مستقلا عن العلوم الدينية. لذلك انقسم الحساب كالهندسة إلى قسمين؛ نظري، الأعداد لذاتها في الذهن، وعملي أي المعدودات كالدنانير ومعاملات السوق. ولا يوجد في «الهيئة» أي ذكر لآية أو حديث أو إشارة إلى موروث عكس إخوان الصفا وباقي الحكماء حرصا على التجريد الخالص والاعتماد على العقل وحده؛ فالفلك في النهاية علم رياضي. وابن سينا يستأنف مجهودات الكندي في الفلك دون الإشارة إليه، فتمثل الوافد وعرضه كنظرية في العقل له الأولوية على إدخاله في وعاء الموروث.
وتأتي آيات القرآن الكريم في مقدمة الموروث للاستشهاد بها على قضايا المنطق مثل الاستشهاد بآية
وكان الله غفورا رحيما
على استعمال ألفاظ زمنية لإيجاب حمل غير زماني. كما تستعمل آية
إن الإنسان لفي خسر
Unknown page