Naql Ila Ibdac Card
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
وفي الجزء الثاني من الإلهيات يأتي أفلاطون أولا ثم سقراط.
96
يذكر أفلاطون وسقراط في نظرية المثل ورفضها في المقالة السابعة في الفصل الثاني. وصلة أفلاطون بسقراط صلة الشيخ بالمريد صلة إسلامية. كلاهما يقول بالمثل. فالإنسانية معنى واحد يشترك فيه الأشخاص ولا يزول بزوالها. وليس هو المعنى المحسوس المتكثر الفاسد بل المعنى المعقول المفارق. هذه المعقولات إن كانت أجزاء ذات تكثرت كأعراض وإن كانت لواحق ذات فلا تكون واجب الوجود. وإن كانت أمورا مفارقة أصبحت صورا أفلاطونية. فلم يبق إلا أنها في العقل وليست في الخارج، وكأننا مع حجج الفقهاء ضد التصورات في عالم الأعيان.
97
وفي الجزء الثاني من الإلهيات، في المقالات الخمس الأخيرة يظهر الوافد اليوناني بطريقة أوضح مع الموروث. فيذكر المعلم الأول، والتعليم الأول، ثم الفيثاغورية والفيثاغوريون ثم أفلاطون والصور الأفلاطونية وبطليموس وفاضل المتقدمين والمجسطي.
98
فبينما لم يظهر المعلم الأول أو التعليم الأول في الجزء الأول من الإلهيات على الإطلاق فإن المعلم الأول يظهر في الجزء الثاني مع التعلم الأول دون أرسطو ومثل أفلاطون وسقراط وبطليموس وأوقليدس. فأرسطو هو الوحيد الذي تحول من الشخص إلى الرمز، ومن الفرد إلى المعيار، ومن العالم إلى العلم، ويدافع ابن سينا عن الشكوك التي تقال على المعلم الأول ضد تشويهات المشائين وشكوكهم يونان ومسلمين وكما سيفعل ابن رشد فيما بعد. فمن الشكوك أن المعلم الأول لم يستوف القسمة في كون الشيء من شيء آخر وترك من الأقسام ما كان استكمالا مع أن كلام المعلم الأول ليس في الذي يكون لا محالة يتحرك بالفعل بل في الذي لو لم يكن عائق لطبيعته. فابن سينا يصحح مكان معنى كلام المعلم الأول، ويضبط قصده كما هو الحال في تحقيق المناط عند الأصوليين. كما يرد على الاعتراضات الموجهة إلى المعلم الأول وهو ألا يكون هناك معنى غير البعدية، وأنه يتكلم في مبادئ الجوهر مطلقا، وأعرض عن العنصر الذي هو في قوام الجوهر. ويرفع ابن سينا التناقض بين حركة الفلك بالطبع أو بالنفس أو بالعشق؛ فجوهر الخير المعشوق واحد حتى ولو كان لكل كرة معشوقها ومحرك قريب يخصها على ما يرى المعلم الأول والمشاءون من بعده. فإن محرك الكل واحد. وإن حسن فهم عبارات المعلم الأول وتلخيصها حتى دون الغوص فيها ينتهي إلى ما انتهى إليه ابن سينا. وهو ما انتهى إليه أيضا بعض الشراح مثل فاضل المتقدمين الإسكندر هذه المرة (وليس جالينوس) من أن محرك السماء واحد وليس كثيرا. كما عبر عن ذلك في رسالته التي في مبادئ الكل. وهو أقرب تلاميذ المعلم من سواء السبيل بالرغم من أن على مذهب المعلم الأول يوجد قريبا من خمسين من المفارقات آخرها العقل الفعال. بل إن فاضل المتقدمين افترض مبدأ العناية بالأمور الفاسدة تحت فلك القمر بالإضافة إلى أن حركات السماوات لا تكون إلا لذواتها لا لمعلولاتها ثم الجمع بينهما عن طريق التشبه بالخير المحض والحركة بالعشق. ثم يتحول ابن سينا من المعلم الأول إلى التعليم الأول تحولا من الشخص إلى الموضوع، ومن العالم إلى العلم. فالعلم لا صاحب له ومحيلا إلى باقي أعماله من أجل توضيح الشكوك التي أثارها الشراح حوله.
99
ويذكر الفيثاغوريون والفيثاغورية كفرقة وليس كشخص أي كتيار ومذهب وليس كفرد نظرا لقيام العرض ببناء الموضوع المستقل عن الشخص، وما الشخص إلا رمز لأحد جوانبه، وكما يرفض ابن سينا نظرية المثل فإنه يرفض أيضا النظرية الفيثاغورية وهي شبيهة بها ولكن على نحو رياضي؛ فالعدد يتألف من وحدة وجوهر. والوحدة لا تقوم وحدها والمحل جوهر. فيلزم التركيب والكثرة. وقد جعل الفيثاغوريون الوحدات غير المتجزئة مبادئ للمقادير وأن المقادير تتجزأ إلى ما لا نهاية. وهو نوع من القول بنظرية المثل الرياضية. ولكن أكثرهم يرون أن العدد التعليمي هو المبدأ ولكنه غير مفارق؛ ومن ثم ينزل درجة عن نظرية المثل . ومنهم من يجوز تركيب الصور الهندسية من الآحاد فيمتنع تصنيف المقادير إلى أن المثل إنما هي تجريد للمحسوسات على نحو استقرائي، تجريد الكليات من الجزئيات. ومنهم من لا يرى غضاضة في جعل التعليميات مركبة من أعداد تنقسم إلى مالا نهاية. ومنهم من يميز بين الصور العددية والصور الهندسية. وكلهم ضالون غالطون. ويعدد ابن سينا أسباب الخطأ والضلال في خمسة أسباب. وقد أفاض ابن سينا في نقد نظرية المثل ليس تعيية للمعلم الأول بل لخطورتها على التوحيد. كما رفضها الفقهاء خاصة ابن تيمية لافتراضها وجود صور مفارقة متعددة ليس فقط في الأذهان بل أيضا في الأعيان. وقد وقع بطليموس أيضا في نظرية المثل على نحو فلكي في علم الهيئة؛ فقد كان العلم قبله يتصور أول المفارقات كرة الثوابت، وعند بطليموس كرة خارجة عنها محيطة بها غير مكوكية. والإشارة إلى «المجسطي» أيضا في نفس الموضوع ولكن على نحو طبيعي. ففي «المجسطي» توجد حركات وكرات سماوية كثيرة ومختلفة في الجهة والسرعة والبطء. والإشارة إلى الكتاب وليس إلى الكاتب، إلى التأليف وليس إلى المؤلف تحولا من الشخص إلى الموضوع.
100
Unknown page