Naql Ila Ibdac Card
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Genres
فيحال إلى «البرهان» لمزيد من التفصيل في الموضوع مثل الحركة والإرادة والسكون كأعراض ذاتية للحيوان، وكيفية إيجاد الحد، والفرق بينها وبين كيفية اعتبار حال الحد الموجود، وقد تختلف تسمية موضوع من كتاب إلى كتاب في المنطق مثل تسمية الوضع في البرهان بطريقة أي الدعوى القائمة على البرهان، وفي الجدل بطريقة أخرى وهي الدعوى بلا برهان. ويحال إلى «إيساغوجي» في موضوع الحد والرسم والخاصة والعرض مع التمييز بين العرض المنطقي والعرض الطبيعي، كما يحال إلى «القياس» في موضوع تراكم الجزئيات التجريبية لإيقاع التصديق الكلي وفي موضوعات تفصيلية أخرى. وكذلك يحال إلى «سوفسطيقا» لإكمال الموضوع.
41
وبالرغم من أن «الجدل» أقل صورية من أشكال القياس وطرق البرهان وأقرب إلى السؤال والجواب، وصراع القوى بين المتخاصمين واستعمال ابن سينا أسلوب مخاطبة النفس بصيغة المتكلم المفرد ومخاطبة القارئ بصيغة المخاطب حتى يأنسا إليه إلا أن الطابع العام ما زال هو الطابع المجرد الشكلي البعيد عن الجدل الفكري والجدل الاجتماعي، صحيح أن ابن سينا غير عنوان الكتاب من المواضع إلى الجدل، من الموضوع إلى المنهج، وهو تغير جذري ، ولكنه ما زال صوريا من حيث الشكل، تقليديا من حيث المضمون. ونظرا لصمت ابن سينا عن مصادره فإن وصف الفلسفة تطوريا من الخطابة إلى الجدل يشبه وصف الفارابي تطور العلوم الفلسفية حتى البرهان. والصمت عن المصادر اكتمال الفلسفة في عقل الفيلسوف.
42
وكتاب الشعر كأحد أجزاء الشفاء ليس شرحا أو تلخيصا أو تأليفا بل هو عرض الشرح لإيضاح الألفاظ، والتلخيص لبلورة المعاني والتأليف لدراسة الموضوع ذاته. فشعر الشفاء ينطبق عليه ما ينطبق على منطق «الشفاء». ولم تكن هذه الأنواع الأدبية متميزة فيما بينها تماما. فقد يسمي ابن سينا العرض التلخيص كما يصرح في الفقرة الأخيرة أنه تلخيص صرف وهو في الحقيقة عرض أي تأليف في الوافد يعتمد على العقل وحده وعلى بنية الموضوع. لم يلخص ابن سينا كتاب «الشعر» في الشفاء بل عرض الموضوع متجاوزا نص الشعر إلى موضوع الشعر. لذلك لا يظهر في نص «الشعر» أي أثر للترجمة. عبارة ابن سينا أوضح من عبارة متى، منتقلا من الغموض إلى الوضوح، وأوجز من عبارة متى منتقلا من الإسهاب إلى التركيز، وأحيانا أطول من عبارة متى منتقلا من الإجمال إلى التفصيل. عبارة ابن سينا على مستوى الألفاظ تتجاوز الشرح والتلخيص والجامع. ويستعمل الأمثال والخرافات الشعرية بدلا من الأسمار والأشعار في ترجمة متى تحسينا للعبارة. العرض تجاوز للشرح والتلخيص من أجل إيضاح المعنى والتغلب على صعوبة العبارة دون توفيق بين أفكاره وأفكار أرسطو وهو ما قد يحدث على مستوى المعنى في التلخيص. هو أشبه بالتداعي الحر بين المعاني. تتوحد الفكرة بين ابن سينا وأرسطو مما يؤدي إلى ترك جملة غامضة بأكملها وزيادة فقرات أخرى أكثر وضوحا. ولا يهم من أين استقى ابن سينا شروحه فالعرض يعتمد على طبيعة العقل والموضوع أي على بنية الفكر الداخلية وليس على مصادره الخارجية.
43
كتاب الشعر إذن عما قائم بذاته وليس شرحا أو تلخيصا لأرسطو، ولا يعني ذلك أنه ابتعد عن المقياس والنموذج الأمثل والحقيقة في النص الأرسطي بل يعني أنه تأليف مستقل يمثل حتمية «الشفاء» مرحلة التحول من النقل إلى الإبداع، أهم مساهمتين فيه هما المقارنة بين خصائص الشعر العربي وخصائص الشعر اليوناني، دنية إبداع ابن سينا في الشعر المطلق حسب الزمان.
وفي كتاب «الشعر» يذكر أوميروش بطبيعة الحال ثم أنبذقليس ثم أيسخيلوس، ثم المعلم الأول وسقراط وسوفوكليس وماني.
44
ولم يذكر يوربيدس أو باقي الفلاسفة اليونان خاصة أفلاطون. ذكر أوميروش مع أنباذقليس لبيان الفرق بين الشعر والنثر في الوزن. فكلام أنباذقليس في الطبيعيات ليس فيه من الشعر إلا الوزن، ولا يشارك هوميروش إلا في الوزن دون أن يكون شعراء. الشعر تخيل ووزن. ويحاكي هوميروش الفضائل في أكثر الأمر فقط. وهو أول من قام بذلك ولم يسبقه إليه شاعر آخر، وتقع المحاكاة للأخلاق. لذلك مدح أوميروش أخلاقية أخيلوس. وهو تصور إسلامي كما هو معروف في الآيات الشهيرة في آخر سورة الشعراء
Unknown page