110

Naqḍ Kitāb al-Islām wa-uṣūl al-Ḥukm

نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم

Genres

فغلبة التقوى والتراحم بين الأمة، واعتقاد كل واحد منها أنه مسئول عما يشهد من إثم أو عدوان، وإجراء الحدود والزواجر بعزم لا يعرف هوادة، كل ذلك مما امتاز به عهد النبوة، وجعل الناظر في التاريخ بقلب سليم يشعر بأن الناس لذلك العهد ليسوا في حاجة إلى أن يقوم على رءوسهم رجال يقال لهم: الزبانية أو البوليس.

وقد أوجسنا خيفة بعد هذا أن ينظر المؤلف إلى كل ما يتصل بالحكومات الغربية أو الشرقية من نظام أو إدارة، ويتخذ عدم وجوده في عهد النبوة حجة على أن ليس هناك حكومة ونظام، حتى خشينا أن يسوق على هذا الغرض آيات بينات، وهي أنه لم يكن في عهد النبوة مجالس مختلطة، ولا صندوق دين عمومي، ولا أقلام تشفي غليل الإباحية بما تأذن به من تعاطي ما يدنس الأعراض، أو يفتك بالألباب. •••

قال المؤلف في ص45: «ومما يستأنس به في الموضوع أننا لاحظنا أن عامة المؤلفين من رواة الأخبار يعنون، في الغالب، إذا ترجموا لخليفة من الخلفاء أو ملك من الملوك، بذكر عماله من ولاة وقواد وقضاة إلخ، ويفردون له بحثا خاصا، يدل على أنهم عرفوا تماما قيمة ذلك البحث من الجهة العلمية، فصرفوا من الجهد فيه والعناية به ما يناسبه، ولكنهم في تاريخ النبي

صلى الله عليه وسلم

إن عالجوا ذلك البحث رأيتهم يزجون الحديث فيه مبعثرا غير متسق، ويخوضون غمار ذلك البحث على نسق لا يماثل طريقتهم في بحث بقية العصور.»

أنكر المؤلف أن يكون لعهد النبوة حكومة ذات نظام، واستأنس لهذا بأن رواة الأخبار إذا ترجموا لملك أو خليفة يفردون لولاته وقضاته بحثا خاصا، وإذا عالجوا مثل هذا البحث في تاريخ النبي

صلى الله عليه وسلم

زجوا الحديث مبعثرا غير متسق، ولا ندري كيف يتم له هذا الاستئناس وما يدعيه من أنهم يزجون الحديث مبعثرا، فقصارى ما يؤخذ منه أنهم لم يجيدوا صنع التأليف في السيرة النبوية؛ إذ لم ينسجوا على المنوال الذي نسج عليه المؤرخون في تراجم الخلفاء والملوك، فإن قصد إلى أن عدم تنسيقها على الوجه المذكور يدل على عدم صحتها قلنا: هذه دلالة خفيت على المناطقة حين قسموا الدلالة إلى مطابقة وتضمن والتزام.

المؤلفون في سنة الرسول عليه السلام وأحواله: محدثون، وأصحاب سير، ومؤرخون، أما المحدثون فعنايتهم مصروفة إلى البحث عن أقوال الرسول عليه السلام وأفعاله وتقريره، وغايتهم الأولى رواية الأحاديث التي يمكن أن يستمد منها أحكام شرعية أو آداب نفسية. وهؤلاء إنما يذكرون اسم قائد أو وال أو قاض إذا جاء في رواية تتعلق بشيء من أقوال النبي

صلى الله عليه وسلم

Unknown page