189

Napoleon Fi Misr

نابوليون بونابارت في مصر

Genres

قلنا: إن القائد العثماني أنزل جنوده في يوم 14 يوليو على ساحل أبي قير، ونقول: إنه كان يؤمل أن تصل إليه المماليك بالخيول والإمدادات، وروى المعلم نقولا في رسالته أن المشير مصطفى كوسه باشا لما أنزل جنوده واستولى على القلعة التي أقامها الفرنساويون، أرسل المنشورات إلى المصريين والعربان يستنهضهم للقيام في وجه الفرنساويين، وأن كبار القوم ذهبوا إليه وخلع عليهم الخلع الثمينة، ولا أثر لهذه الرواية، لا في المصادر العربية ولا في المصادر الفرنساوية، وكل ما ذكره الجبرتي من علاقة الجيش التركي بالمصريين، قوله في حوادث 18 صفر: «إنه وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الأعيان، وكلها على نسق واحد تزيد عن المائة مضمونها أن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الإسكندرية، فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ... إلى آخره.»

ولا شك في أن السرعة التي جمع بها نابوليون جيشه وهاجم العثمانيين لم تمكنهم، لا من الاجتماع بالمماليك، ولا من دعوة سواهم، وكان ذلك سر فوز نابوليون في تلك الموقعة، وفي كثير من المواقع الكبيرة التي كسبها في أوروبا، ولو أن الجنرال منو، بعد هذا التاريخ بنحو سنتين، قلد رئيسه في السرعة والنشاط وعدم إضاعة الوقت، لما استطاع الجيش الإنكليزي الذي قدم تحت قيادة الجنرال «أبركرومبي» أن يحصره في الإسكندرية، وينتهي بالاشتراك مع الجيش العثماني بالوصول إلى القاهرة، وإخراج الفرنساويين منها.

وكان نابوليون يتصور أن الجيش العثماني لا يبقى في أبي قير بعد أن احتل قلعتها أكثر من يوم واحد، وأنه سيزحف في داخلية البلاد فيجتمع عليه المماليك المشتتون في الوجه البحري، ويلتف عليه عربان البحيرة وسواها، ولذلك عسكر نابوليون عند الرحمانية في يوم 19 يوليو، فلما وصلت إليه الأخبار بأن الجيش العثماني لا يزال مرابطا في أبي قير أسرع في نقل مركز جيشه من الرحمانية إلى بركة غطاس الواقعة بالقرب من بحيرة المعدية، وعلى مسافة قريبة من الإسكندرية وأبي قير، فمنع بذلك الجيش العثماني من التحرك إلى داخلية البلاد، أو إلى محاصرة الإسكندرية دون أن يلتقي مع الجيش الفرنساوي في معركة فاصلة.

وفي 24 يوليو اتخذ نابوليون الإسكندرية مقرا للمعسكر العام، ولم يكن قد رأى ذلك الثغر منذ احتله عند قدومه منذ سنة وشهر، ولما التقى نابوليون بالجنرال مارمون (Marmont)

قومندان حامية الإسكندرية، لامه وعنفه على تمكين الجيش العثماني من النزول إلى البر، وكان هذا الجنرال قد خرج بألف ومائتي مقاتل لمقاومة العثمانيين، فلما رأى أنه لا يقدر على مقاومة ذلك الجيش الكبير عاد أدراجه إلى الإسكندرية وتحصن فيها، ولو أسرع القائد العثماني، ولم ينتظر قدوم نابوليون من الرحمانية لكان من الممكن أن تكون النتيجة غير ما كانت، ولكن الجيش العثماني بقي في أبي قير من يوم 14 إلى يوم 24 حتى تمكن نابوليون من الوصول إلى الإسكندرية والوقوف في وجه خصمه، كل ذلك والجيش العثماني لا يظن أن الفرنساويين قد أصبحوا أمامه وجها لوجه، وأن المسافة بين الفريقين لا تزيد على بضع كيلومترات.

ولقد سبق لنا أن قلنا إن وصف الحركات العسكرية في المواقع الحربية ليس من اختصاص المؤرخ المصري الذي يقصد تدوين تاريخ أمته، وأما وصف المعارك الحربية من الوجهة الفنية فهو من اختصاص كتاب الإفرنج الذين يهمهم وصف المعارك لأسباب فنية وقومية، ولهذا نكتفي بأن نقول: إن الجيش العثماني في هذه المعركة لم يكن مستوفيا الأسباب التي تساعده على الفوز لعدم وجود قوة كافية من الخيالة، ولأن المماليك الذين اعتمد على مساعدتهم لم يستطيعوا تقديم تلك المساعدة، ولأن سرعة نابوليون ونشاطه لم تمكن الأتراك من التحصن اللازم واستعمال الوسائل التي يستطيع بها شل حركات الجيش الفرنساوي.

وخلاصة ما يمكن ذكره من وصف هذه المعركة التاريخية أنه في فجر 25 بدأ الجيش الفرنسي في الزحف، وكان الجنرال «مورات»

Murat

على رأس جيش عدده 2300 فارس في المقدمة، والجنرال «لان»

Lannes

Unknown page