أخاف أن أتعب دماغك يا امرأة سوريا بهذه الفلسفة المتعبة، وكنت أحب أن أقرر مبدئي هذا بالمقدمات والنتائج الطويلة، ولكن يكفي الآن أنني أوضحت لك وجود حبين في هذه الحياة، ولو كنت أخاطب الرجل لكنت لا أرى بدا من الاستناد على الحقائق العلمية، أما أنت فيكفيني لإقناعك أن تناجي قلبك المركب من تراب ومن روح، فيقول لك إنه أحب بالروح مرة ولم يسلم من حب الجسد أحيانا.
وإذا أنت على ثقة من وجود هذين الحبين فاسمحي لي أن أسألك عن ماهية الحب الذي يربطك بزوجك.
اسمحي أن أجاوب عنك، وهذا الجواب هو الجرح المؤلم الذي سيخرج نقطة الدم السوداء الكامنة في قلبك.
إن رابطة زواجك على ما هي لهي أدنى رتبة من رابطة الاتحاد الذي يقرب الحيوان لحفظ النوع، الحيوان يتبع البداهة وهي شريعته فهو يتبعها، أما الإنسان فشريعته غير هذه، ومع ذلك فهو يقتبس بداهة الحيوان، ولا يكفي بأخذها على ما هي بل يدفعها إلى أبعد انحطاط بإدخال التجارة عليها؛ لأن من بين مخلوقات الله كلها لا يوجد غير الإنسان تاجرا ومضاربا ومحتكرا؛ لبعد المحجة التي تصل إليها أنانيته، فالزواج الخالي من اتحاد الروحين لهو أسقط من اتحاد الحيوان لكونه لا يرتكز على حب الجسد للجسد فقط؛ بل يرسو أيضا على حب الأمجاد الباطلة والزخرفة والتبرج والطمع والكسل وكل معائب البشر وسفالاتهم، هو مدعوم بفساد في الرجل من جهة، وبزخارف المرأة وأنانيتها الكاذبة من جهة أخرى.
الرجل يجود بماله لينعم جسده بقتل روحه، والمرأة تجود بجسدها بالتدليس والمراوغة قاتلة عواطفها، إذا وجد الرجل برودة في حب شريكته فهو يعمد إلى الأطالس والحلي مقويا بذلك شر المرأة وضلالها، وهي إذا لحظت منه فتورا تسرف بالدلال وتبذر بالخلاعة، مفتكرة أنها تداوي الرجل فتزيده ولوعا بالتهتك وتقتل نفسه بالتدريج، حتى يصل الزوجان إلى درجة لا يظنان بها أن لهما نفسا ...
أغلب الزيجات السورية منضمة بقوة الجمال مقدسة بشريعة المال، وما بين هاتين القوتين لقد أصبح الزواج الشقي كسفينة محطمة، تحمل العائلات التعيسة لتقلبها على أمواج الغنى والفقر تحت رحمة الزوابع وإعصار الجمال وفقدانه.
أيتها العائلات السورية ما أتعس داخليتك! حرب الاقتصاد المنهك القوى من الخارج، وفي قلبك حرب الحيوان الذي يقتل الروح ويقضي على مبدأ التعزية الوحيد للإنسان، قلت لك يا امرأة سوريا بأنك تشكين من زوجك أمرين؛ الأول: عدم اندغام نفسه بنفسك، والثاني: كسره لقيود الأمانة وهو يشددها عليك، وقد بحثت بهذا الداء الأخير بحثا وافيا بفصل خاص هو «الخائن والخائنة»، ووجهت كلامي به للرجل؛ لأنه مخطئ بظن نتج عنه كل ضلاله، فحاولت إقناعه بالبراهين القاطعة ليصلح نفسه، أما الداء الأول فهو متأت عن خطإ مزدوج يقترفه الزوج والزوجة معا، ولو تمعنا مليا لوجدنا جرثومة هذا الخطإ متأصلة بالأكثر في قلب المرأة وعواطفها، ولهذا اسمحي لي أيتها العقيلة أن أوجه كلامي إليك.
لقد بينت لك السبب الذي تتألف منه النفوس وتندغم به الأرواح لتتفاهم، وأظهرت لك ضلال السبيل الذي تسيرين عليه، وضرر الدواء الذي تستعملينه لشفاء العلة، وها أنا ذا أكرر لديك القول بعبث محاولة الجسد أن يكتسب محبة الروح، أنت تحسبين بالتبرج والزينة قوة تحول إليك عواطف الرجل، فتعمدين إلى الملابس المتنوعة الأشكال التي تأتيك عن موض أوروبا وأنت لا تعلمين مصدرها الأصلي، وأنا أقول لك بأن هذه الأنواع بالملبس المكشوف الذي تحاول النساء به ضمور البطن وبروز الصدر وتضخم الردف، إنما هي موض تمخض بها دماغ المتهتكات، فطبقن الأزياء على نتائج أمور أجل العقائل عن إدراكها ... وقد رأت نساء العالم المتمدن هذه الأزياء ورأين رهطا من الرجال يتبعون لابساتها، فخيل لهن أن الجاذب للثوب والقوة للزي؛ فلبسن مثل هذه الأزياء ولم يعلمن ما وراء الأكمة من الخفايا الهائلة، وأنت يا امرأة الوطن رأيت هذه الملابس فأعجبتك؛ لأن في قلبك الساذج مبدأ حب السطوة بالحب، وقد ضللت بتحسينك الجسد دون الروح، ضللت لأنك تريدين مخاصمة العاهرة وهي من هذه الحيثية أقوى منك، فمهما بالغت بتقليدها فإنما أنت تقلدين ملابسها فقط، ولا يمكن لك أن تقلدي المبدأ السافل الذي أوحى هذه الملابس في هذا العصر الفاسد، الذي ضلت به المرأة من جور الرجل، وأمست المرأة الضالة شبكة هائلة له لم يبق من دواء لحفظ عفاف الرجل سوى غلبة المرأة الفاضلة وانتصارها على المرأة الساقطة، فاعلمي أيتها السيدة بأن زوجك معرض بكل يوم لقوة عدوتك، وأول واجب عليك هو الانتصار عليها، ولكن كيف يجب أن تحاربي؟
احترزي محاربة عدوتك بسلاحها؛ فإنك مهما بالغت بالتشبه لا لا تصلين إلى مناهضتها، ويوم تصل قوتك إلى درجة قوتها ففي ذلك الحين تصبحين مثلها وتمتنع عليك وحدة الحب؛ فيتحول مهد العائلة إلى جحيم دائم ...
حولي كل قواك إلى استعمال سلاح الروح، فإنه الضربة القاضية على عدوتك التي ماتت روحها وتحول جمال نفسها إلى زخرفة باطلة.
Unknown page