245

مثل هذه الأحوال وتتصل بكمالها بالذات وتنغمس في اللذة الحقيقية لتتبرأ عن النظر إلى ما خلفها وإلى المملكة التي كانت لها كل التبري. ولو كان في فيها أثر من ذلك اعتقادي أو خلقي تأذت وتخلفت لأجله عن درجة عليين أي أن تنفسخ عنها.

فصل في المبدأ والمعاد بقول مجمل وفي الإلهامات والدعوات المستجابة والعقوبات السماوية وسائر الأحوال - ومنها الكلام على التنجيم - ومنها الكلام على القضاء والقدر

ويجب أن تعلم أن الوجود إذا ابتدأ من عند الأول لم يزل كل تال منه أدون مرتبة من الأول ولا يزال ينحط درجات فأول ذلك درجة الملائكة الروحانية المجردة التي تسمى عقولا ثم مراتب الملائكة الروحانية التي تسمى نفوسا وهي الملائكة العملية. ثم مراتب الأجرام السماوية وبعضها أشرف من بعض إلى أن تبلغ آخرها ثم بعدها يبتدئ وجود المادة القابلة للصور الكائنة الفاسدة فتلبس أول شيء صورة العناصر. ثم تتدرج يسيرا يسيرا فيكون أول الوجود فيها أخس وأرذل مرتبة من الذي يتلوه فيكون أخس ما فيه المادة ثم العناصر ثم المركبات الجمادية. ثم الناميات وبعدها الحيوانات وأفضلها الإنسان وأفضل الناس من استكملت نفسه عقلا بالفعل ومحصلا للأخلاق التي تكون فضائل عملية وأفضل هؤلاء هو المستعد لمرتبة النبوة وهو الذي في قواه النفسانية خصائص ثلاث ذكرناها وهو أن يسمع كلام الله ويرى ملائكة الله تعالى وقد تحولت على صورة يراها. وقد بينا كيفية هذا. وبينا أن هذا الذي يوحي إليه تتشبح له الملائكة ويحدث في سماعه صوت يسمعه يكون من قبل الله تعالى والملائكة فيسمعه من غير أن يكون ذلك كلاما من الناس والحيوان الأرضي وهذا هو الموحى إليه وكما أن أول الكائنات من الابتداء إلى درجة العناصر كان عقلا ثم نفسا ثم جرما فهاهنا يبتدئ الوجود من الأجرام ثم تحدث نفوس ثم عقول وإنما تفيض هذه الصور لا محالة من عند تلك المبادئ والأمور الحادثة في هذا العالم تحدث من مصادمات القوى الفعالة والمنفعلة الأرضية تابعة لمصادمات القوى الفعالة السماوية - أما القوى الأرضية فيتم حدوث ما يحدث فيها بسبب شيئين أحدهما القوى الفعالة فيها إما الطبيعية وإما الإرادية. والثاني القوى الانفعالية - إما الطبيعية - وإما النفسانية. وأما القوى السماوية فيحدث عنها آثارها في هذه الأجرام التي تحتها على ثلاثة أوجه: أحدها من تلقائها بحيث لا تسبب فيه للأمور الأرضية بوجه من الوجوه: وثانيها إما عن طبائع أجسامها

Page 245