فصل في أن حركة السماء مع أنها نفسانية كيف يقال إنها طبيعية
إلا أنها قد تكون بالطبع أي ليس وجودها في جسمها مخالفا لمقتضى طبيعة أخرى لجسمها فإن الشيء المحرك لها وإن لم يكن قوة طبيعية كان سببا طبيعيا لذلك الجسم غير غريب عنه وكأنه طبيعة وأيضا فإن كل قوة طبيعية فإنما تحرك بتوسط الميل والميل هو المعنى الذي يجس في الجسم المتحرك وإن سكن قسرا أحس ذلك الميل كأنه يد يقاوم المسكن مع سكونه طلبا للحركة فهو غير الحركة لا محالة وغير القوة المحركة لأن القوة المحركة تكون موجودة عند إتمامها الحركة ولا يكون الميل موجودا فهكذا أيضا الحركة الأولى لأن محركها لا يزال يحدث في جسمها ميلا بعد ميل وذلك الميل لا يمتنع أن يسمى طبيعة لأنه ليس نفس ولا من خارج ولا له إرادة أو اختيار ولا يمكنه أن لا يحرك أو يحرك إلى غير جهة محدودة ولا هو مع ذلك بمضاد لمقتضى طبيعة ذلك الجسم القريب فإن سميت هذا المعنى طبيعة كان لك أن تقول إن الفلك متحرك بالطبيعة إلا أن طبيعته فيض عن نفس يتجدد بحسب تصور النفس فقد بان أن الفلك ليس مبدأ حركته طبيعة وكان قد بان أنه ليس قسرا فهي عن إرادة لا محالة ونقول إنه لا يجوز أن يكون مبدأ حركته القريب قوة عقلية صرفة لا تتغير ولا تتخيل الجزئيات البتة وكأنا قد أشرنا إلى جمل مما يعين في معرفة هذا المعنى في الفصول المتقدمة إذ أوضحنا أن الحركة معنى متجدد السبب وكل شطر منه مخصص بسبب فإنه لا ثبات له ولا يجوز أن يكون عن معنى ثابت البتة وحده فإن كان عن معنى ثابت فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل الأحوال - أما إن كانت الحركة عن طبيعة فيجب أن يلحقه ضرب من تبدل الأحوال - أما إن كانت الحركة عن طبيعة فيجب أن يكون كل حركة تتجدد فيه فلتجدد قرب وبعد من النهاية المطلوبة وكل حركة ونسبة له تعدم وكل جزء له نسبة تعدم فلعدم بعد وقرب من النهاية ولولا ذلك التجدد لم يمكن تجدد حركة فإن الثابت من جهة ما هو ثابت لا يكون عنه إلا ثابت - وأما إن كان إرادة فيجب أن يكون عن إرادة متجددة جزئية فإن الارادة الكلية نسبتها إلى كل شطر من الحركة نسبة واحدة فلا يجب أن تتعين منها هذه الحركة دون هذه فإنها إن كانت لذاتها علة لهذه الحركة لم يجز أن تبطل هذه الحركة وإن كانت علة لهذه الحركة بسبب حركة قبلها أو بعدها معدومة كان المعدوم موجبا لموجود والمعدوم لا يكون موجبا لموجود وإن كان قد يكون الاعدام علة للاعدام فإما أن يوجب المعدوم شيئا فهذا لا يمكن وإن
Page 214