182

أن يقال إن هذا لا يوجد حين لا يوجد ذاك فإن معنى الأول أنه إذا وجب عدم هذا وجب أن يعدم ذلك فعدم هذا علة لعدم ذاك. ومعنى الآخر أنه أي وقت يصدق فيه أن هذا ليس فإنه يصدق فيه أن ذاك ليس ويصح أن يقال إنه إذا لم توجد العلة لم يوجد المعلول وأنه إذا لم يوجد المعلول لم توجد العلة. ولا يصح أن يقال إذا رفع المعلول ارتفعت العلة كما يصح أن يقال إذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول بل إذا رفعت العلة ارتفع المعلول وإذا رفع المعلول قد كانت العلة ارتفعت أولا لعلة أخرى حتى يصح رفع المعلول. لا أن نفس رفع المعلول هو رافع العلة. كما أن نفس رفع العلة هو رافع المعلول.

فصل في بيان الحدوث الذاتي

واعلم أنه كما أن الشيء قد يكون محدثا بحسب الزمان فكذلك قد يكون محدثا بحسب الذات فإن المحدث هو الكائن بعد أن لم يكن فالبعدية كالقبلية قد تكون بالزمان وقد تكون بالذات فإذا كان الشيء له في ذاته أن لا يجب له وجود بل هو باعتبار ذاته وحدها بلا علتها لا يوجد - وإنما يوجد بالعلة والذي بالذات قبل الذي من غير الذات فيكون لكل معلول في ذاته أولا أنه ليس ثم عن العلة: وثانيا أنه أيس فيكون كل معلول محدثا أي مستفيد الوجود من غيره بعد ما له في ذاته أن لا يكون موجودا فيكون كل معلول في ذاته محدثا. وإن كان مثلا في جميع الزمان موجودا مستفيدا لذلك الوجود عن موجد فهو محدث لأن وجوده من بعد لا وجوده بعدية بالذات ومن الجهة التي ذكرناها وليس حدوثه إنما هو في آن من الزمان فقط بل هو محدث في جميع الزمان والدهر ولا يمكن أن يكون حادث بعد ما لم يكن بالزمان إلا وقد تقدمته المادة التي منها حدث.

Page 182