إذا رأيت الوداع فاصبر ولا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب فإن قلب الوداع عادوا
وضاقت بي الرحاب، حين مفارقة أعيان الصحاب، وكاثرت دموعي من بينهم السحاب، وزند التذكر يقدح الأسف فيهيج الانتحاب، وقد تمثلنا إذ ذاك والجوانح في التهاب، وذخائر الصبر ذات انتهاب، بقول بعض من مزق البعد منه الإهاب:
ولما نزلنا منزلًا طله الندى أنيقًا وبستانًا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه منى فتمنينا فكانوا الأمانينا
وقد طفت في شرق البلاد وغربها وسيرت خيلي بينها وركابيا
فلم أر منها مثل بغداد منزلا ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليهال أرق شمائلا وأعذب ألفاظًا وأحلى معانيا
وبقول من تأسف على مغاني التداني، وهو أبو الحجاج الأندلسي الداني:
أبى الله إلا أن أفارق منزلا يطالعني وجه المنى فيه سافرا
كأن على الأيام حين غشيته يمينًا فلم أحلله إلا مسافرا