215

العادة بالقرآن ودلالته على الاعجاز ، وبين أن يكون من فعله تعالى أو من فعل بعض الملائكة ؛ لأنه إنما دل إذا كانت من فعله تعالى لخرق العادة ، لا لأنه من فعله تعالى ، فيجب أن يدل ، وإن كان من فعل الملك للاشتراك في خرق العادة.

** والجواب عن ذلك

يفعل القبيح ويصدق الكذاب ، وإنما دل خرق العادة من فعله تعالى ؛ لأننا نأمن فيه وقوعه على وجه يقبح ، وإذا كنا نجوز على الملائكة قبل العلم بصحة النبوة أن يفعلوا القبيح ، فلا يجوز أن يجرى تصديقهم لمن يصدقوه وأن خرق العادة مجرى ما يفعله الله تعالى من ذلك ، وأي فرق بين ما نجوز فيه من أن يكون من فعلنا ، وبين ما نجوز فيه أن يكون من فعل جني أو ملك [في ارتفاع دلالته على النبوة؟ وهل كان ما يجوز أن يكون من فعلنا غير دال على النبوة إلا من حيث جاز أن نفعل القبيح ونصدق الكذاب؟ وهذا بعينه قائم فيما نجوز فيه أن يكون من فعل جني أو ملك] (1)، وان خرق العادة إذا جوزنا أن يخرقها من لا يؤمن منه فعل القبيح.

وغير كاف في الدلالة على هذا الأصل الذي قررناه تحرك الشمس في غير جهة حركتها ، لما كان ذلك معجزا أو دالا على صدق من يدعيه ، علما لتجويزنا أن يكون من فعل بعض من يفعل القبيح من الملائكة ، إلا أن يتقدم ذلك دليل مقطوع به على أن الملائكة لا تعصي ولا تستفسد. وهذا مما اعتمده صاحب الكتاب المعروف بالمغني ونقضناه عليه في كتابنا الموسوم بالموضح عن جهة إعجاز القرآن.

ولا أدري كيف اشتبه على المحصلين هذا الموضع ؛ لأنه لا خلاف في أن حركة الشمس لو جوزنا تغيرها بفعل بعض البشر الذين نجوز عليهم فعل القبيح لما أثبتنا هذا التغيير (2) معجزا ، فأي فرق بين البشر والملائكة مع تجويز القبيح من الجميع؟

Page 333