يوافقوه عليه ، ويزول بموافقته حجته ، ويقولوا له : لا حجة في امتناع معارضتك كما لا حجة في تقدم فاضل (1) على مفضول.
ولا يجوز أن تلحقهم أنفة بالاعتراف له بالفضل بالفصاحة ؛ لأن هذا الاعتراف وتخلصهم من غاية الضرر ونهاية الذل ، فلا أنفة فيه ، وإنما الأنفة فيما يؤدي إليه تركه.
وأيضا فليس يظهر من كلامه صلى الله عليه وآلهوسلم فصاحة تزيد على فصاحة غيره من القوم ، ولو كان أفصحهم وكان القرآن من كلامه وتعذرت معارضته لهذه العلة لظهرت المزية في كلامه على كل حال بفصاحته.
وليس لهم أن يقولوا : انه تعمد فلم يظهر فصاحته ؛ لعلمنا ضرورة بأنه صلى الله عليه وآلهوسلم في أحوال كثيرة قصد إلى إيراد أفصح كلام وأبلغه ، ومع ذلك فلم يكن كلامه في هذه الأحوال متميزا من كلام غيره.
وأما الجواب عن الثاني من قولهم : إنه تعمل القرآن زمانا طويلا ، فهو الوجوه الأربعة التي ذكرناها في جواب الشبهة الأولى.
ومما يبطل التعلق بالتعمل مضافا إلى ما تقدم أنه كان ينبغي أن يتعملوا فيعارضوا مع امتداد الزمان وتطاول الأوقات ، فقد كانت لهم فسحة وعليهم مهلة.
وأما عن ثالث ما قدحوا به : فهو أن المعارضة كلام والحرب لا يمتنع (2) من الكلام ، وقد كانوا ينشدون الشعر ويرتجلونه في حال الحروب ، فليست الحرب مانعة من المعارضة ؛ ومع هذا فإن الحرب لم تكن متصلة وقد كانت تترك أحيانا ، فألا وقعت المعارضة في حال الإمساك عن الحرب؟
وأيضا ؛ فلم يكن جميع الأعداء من العرب محاربين ، فألا عارض من لم يحارب؟
Page 323