133

حجة لا يفتقر إلى العلم بالنبوة والقرآن ، وعلى مذهب مخالفينا لا يصح ذلك ؛ لأن الكتاب والسنة عندهم هما أصل كون الإجماع حجة.

واختلفوا في إجماعهم على ما يرجع إلى الآراء في الحروب وما جرى مجراها : فذهب قوم إلى أن خلافهم في ذلك لا يجوز أيضا ، واعتمدوا على أن الأدلة حرمت مخالفتهم عموما ، وجوز آخرون أن يخالفوا فيه ، وقالوا ليس يزيد حالهم على حال الرسول صلى الله عليه وآلهوسلم . والصحيح أن كل ما لا يجوز خلاف الرسول أو الإمام فيه لا يجوز خلاف الإجماع أيضا فيه ؛ لأن المرجع في أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفته إلى أنه مشتمل على قول الحجة من الإمام أو من جرى مجراه ، وخلاف النبي صلى الله عليه وآلهوسلم في آراء الحروب لا يجوز ؛ لأنها صادرة عن وحي ، ولها تعلق قوي بالدين ، ولو رجعت إلى آرائه في نفسه لم يجز مخالفته فيها ، لأجل التنفير ، وكذلك آراء الإمام فيما يتعلق بالسياسات الدينية والدنيوية لا يجوز مخالفتها ؛ لأنها تنفر عنه وتضع منه.

وينقسم الإجماع إلى أقسام : وهي أن يجمعوا على الشيء قولا أو فعلا أو اعتقادا أو رضا به. وقد ينفرد كل واحد من هذه الأقسام ، وقد يجتمع مع غيره. ولا يجوز أن يجمعوا على الذهاب عن علم ما يجب أن يعلموه ، والوجه في ذلك أن إخلالهم بالواجب يجري في استحقاق الذم والعقاب به مجرى فعل القبيح ، وإذا كان المعصوم لا يجوز عليه الأمران منعنا ذلك في كل جماعة يكون هذا المعصوم فيها. فأما من استدل من مخالفينا على صحة الإجماع بالخبر ، وطعن في دلالة الآيات ؛ فيلزمه تجويز الذهاب عما يجب علمه عليهم ؛ لأن الخبر إنما نفى أن يجمعوا على خطأ ، ولم يتضمن نفي الإخلال بالواجب ، ولفظه لا يقتضيه. فأما ما لا يجب أن يعرفوه ، ولم ينصب لهم دليل عليه ، فيجوز ذهابهم عن علمه.

Page 251