118

بعضها على بعض ، فكذلك لا تقاس الأخبار على الشهادة ، وكما لم يقس عليها الفتيا ، فكذلك لا يقاس خبر الواحد على ذلك ، ولو قيس خبر الواحد على الشهادات ؛ لوجب أن يكون العدد فيه مطلوبا ، كما أنه مطلوب في الشهادات على كل حال. وأما أخبار المعاملات فلا تشبه ما نحن فيه ؛ لأنها منقسمة إلى أمرين :

أحدهما يلحق بالعقليات ، وهو قبول الهدايا ، والإذن في دخول الدار ، والشرع ورد بإقرار ذلك ، لا باستيناف حكم له ، ولذلك لم يميز العدل فيه من غيره ، ولا البالغ من الصبي ؛ لأن المعول في ذلك على غلبة الظن وما يقع في القلب.

والقسم الثاني ما يجري مجرى الشرع ، من قبول قول الواحد في طهارة الماء ونجاسته وفي القبلة ودخول الوقت ، وهذا فرع من فروع خبر الواحد ، فلا الأول يجوز أن يجعل أصلا ؛ لأنه عقلي ، ولا الثاني ؛ لأنه فرع وتابع.

ويقال لهم فيما تعلقوا به ثامنا : الضرورة إنما تقود في الحوادث إلى ما هو حجة في نفسه ، فدلوا على أن خبر الواحد حجة في الشريعة حتى يرجع إليه في الحوادث ، ومن يخالفكم في هذه المسألة يذهب إلى أنه لا ضرورة به تدعوه إلى خبر الواحد ؛ لأنه ما من حادثة إلا وعلى حكمها دليل يوجب العلم ، وفيهم من يقول إذا فقدنا الدليل رجعنا إلى حكم العقل ، فلا ضرورة هيهنا كما تدعون.

ويقال لهم فيما تعلقوا به تاسعا : لا يجوز العمل على خبر الواحد في الأحكام الشرعية بالتحرز من المضار ، كما وجب مثل ذلك في المضار العقلية ؛ لأن المضار في الدين يجب على الله تعالى مع التكليف لنا أن ينبهنا ويدلنا عليها بالأدلة القاطعة ، فإذا فقدنا ذلك ؛ علمنا أنه لا مضرة دينية ، فنحن نأمن أن يكون فيما أخبر به الواحد مضرة دينية بهذا الوجه ، وليس كذلك المخبر عن سبع في الطريق ؛ لأنا لا نأمن من أن يكون صادقا ، وإن لم يجب قيام دلالة على كون السبع فيه ، فيجب علينا التحرز من المضرة بالعدول عن سلوك الطريق.

وبعد ؛ فهذه الطريقة توجب عليهم أن يكون الفاسق كالعدل ، والمؤمن

Page 236