إلى مرحلة أخطر وهي الاستهزاء ومخالفة الحق ، يقول القرآن في هذا المجال : ( فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ). (البقرة / 10)
* *
تحدثت الآية السادسة عن جعل الأكنة والحجب على القلوب ، وليس حجابا واحدا بل حجب وأكنة وذلك للحيلولة دون فهمهم القرآن ، حيث جاء فيها : ( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ).
ذكر بعض المفسرين أن التعبير بالأكنة يدل على تعدد الكنان (1)، ومما لا شك فيه أنه لم يجعل وقر في آذانهم الظاهرية بل الروحية كي لا يسمعون من الحق شيئا ، كما لم تجعل الأكنة على القلوب التي هي وسيلة لضخ الدم في الأوعية ، بل جعلت الأكنة على أرواحهم وعقولهم.
وقد وقع كثير من المفسرين عند الإجابة عن هذه المسألة في إشكال ، فتارة قالوا : إنها معجزة حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله يختفي عن انظار اعدائه المعاندين ، فلا يكادون يسمعون شيئا من كلامه ، وذلك كي لا يؤذوه صلى الله عليه وآله ، وتارة قالوا ، إن الله يمنع لطفه عن أشخاص كهؤلاء فيتركهم لحالهم ، وهذا هو معنى جعل الأكنة على القلوب والوقر في الآذان.
إلا أن ظاهر هذه الآية (التي تماثل آيات اخرى من القرآن) شيء آخر ، وفي الحقيقة أن هذه استعمالات مجازية في حق المعاندين والمتعصبين والمغرورين والغارقين في الإثم ، وبتعبير آخر : أن حرمانهم من إدراك الحقيقة بسبب صفاتهم الرذيلة وأفعالهم القبيحة ، فقد جعل الله هذه الميزة في هذه الأعمال ، فهي كخاصية القتل بالنسبة للسم ، فلا يلام صانع السم وشاعل النار إذا تناول شخص ما سما أو ألقى نفسه في النار فمات ، فانه في مورد كهذا ينبغي لوم الذي القى نفسه في النار والذي تجرع السم فقط.
وقد نقلت الآية السابعة ما كان يقوله اليهود للرسول صلى الله عليه وآله أو الأنبياء الآخرين ، حيث كانوا
Page 237