** 3 شوائب التاريخ
بالرغم من أن التاريخ مرآة كبيرة وجميلة تعكس الواقعيات إلاأن المؤسف فيه هو وجود أياد ملوثة سعت وتسعى دائما لتغيير وتشويه الوجه الناصع لهذه المرآة ، ولهذا السبب فإن هناك كثيرا من الشوائب في التاريخ تحول دون معرفتنا للحقيقة ودون تمييزنا الصادق من الكاذب منه.
إن سبب التشويه واضح ، حيث لم يكن المؤرخون محايدين دائما ، بل كثيرا ما يؤرخون التاريخ بالشكل الذي يتناسب مع دوافعهم الشخصية والفئوية ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإن جبابرة كل عصر سعوا لإغراء المؤرخين وجذبهم ليكونوا تحت سيطرتهم ونفوذهم ، ليملوا عليهم ما يحلو لهم فيكتبوا ما يريد هؤلاء الجبابرة.
وبالرغم من المساعي التي تبذل بعد زوال كل من الحبابرة والظالمين وتوفر أجواء حرة أكثر في سبيل إصلاح الأخطاء ، وتصحيح ما لحق بالتاريخ من فساد ، إلاأن المؤرخين قد لا يوفقون في هذا المجال لإصلاح الخطأ ، أو تكون إصلاحاتهم غير كافية.
والملفت للنظر أن قضايا التاريخ تتبدل كلما تبدلت الحكومات المستبدة ذات الميول والإتجاهات المتضاربة ، ف «بنو امية» مثلا حرفوا التاريخ الإسلامي بشكل ، و «العباسيون» حرفوه بشكل آخر ، كما أن الذين خلفوا العباسيين صاغوه بشكل آخر.
إن (استالين) كتب في زمن ما تاريخ الثورة الشيوعية في روسيا بشكل ، وقد درس هذا التاريخ في جميع المدارس آنذاك ، والذين خلفوه كانوا يعتبرونه جلادا مصاصا للدماء فجمعوا تلك الكتب ودونوا تاريخ الثورة بصيغة اخرى ، وهكذا فعل كل من خلف الحكومة في الاتحاد السوفيتي فكتب التاريخ بما يتناسب مع ميوله الشخصي والمذهبي.
ولهذا السبب ، فإن البعض أساء الظن بالتاريخ وقال فيه مبالغة هذه العبارة : «إن التاريخ مجموعة حوادث لم تحدث أبدا ، وأقوام لم توجد أبدا»!!
إلا أن الانصاف يفرض علينا أن نعد التاريخ أحد مصادر المعرفة بالرغم من الغبار الذي غطاه ، وذلك لأن التاريخ كأي خبر آخر منه «المتواتر» ومنه «الموثوق» ومنه «الضعيف» ومنه «المجهول».
Page 137