5
ولنذكر أن في اللغات السامية: «عازر» و«عزير» تساوي «آزر» وتفيد النصرة والتقوية، وقد عرفت السامية استبدال العين بالهمزة وبالعكس، ووضح ذلك في الآية القرآنية ... فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه (الأعراف: 157)، وعليه فإن الروايات الإسلامية لم تحاول بحث أمر «آزر» و«تارح» أبعد من ذلك، وعمدت إلى الأسلوب التوفيقي بين ما جاء في القرآن وما جاء في التوراة، رغم عدم اضطرارها شرعا لذلك، مما يشير إلى رغبة عجيبة في الالتقاء مع التوراة والتوافق معها وعدم ردها، رغم أن الشرع قد أعطاهم هذا الحق في الرفض، وهو أمر يمكن أن نرى فيه وجهين؛ فهو من جهة دلالة طيبة على علمية هؤلاء الإخباريين من حيث عدم رفض الرأي الآخر لمجرد المخالفة العقدية، لكنه من جهة أخرى يشير إلى رغبة محمومة في الالتقاء مع التوراة، «تضع علامات استفهام حول مبرراتها»!
أما المسألة الأخرى التي تتفق فيها الروايات الإسلامية مع روايات التوراة، فهي القول بخروج النبي إبراهيم عليه السلام من بلاد الرافدين يقصد أرض كنعان، وعلمنا أن التوراة قد حددت مركز انطلاق هذه الرحلة في مدينة «أور الكلدانيين» بالذات.
وإذا بحثنا عن مدينة باسم «أور
UR » في الخريطة التاريخية للمنطقة، وتنتسب في ذات الوقت إلى دولة الكلدانيين، سنجدها على الشاطئ الغربي لنهر الفرات، في أقصى جنوب الوادي الخصيب، ولكن تخصيص «أور» بأنها «أور الكلدانيين» لا يعني للعارف بالتاريخ أنها وجدت فقط في عصر الدولة الكلدانية، التي قامت ما بين عامي 625 و538 قبل الميلاد، فهي مدينة عريقة عراقة العراق، وتعد من أشهر حواضر هذا الإقليم الحضاري الكبير، بينما الكلدانيون لا يحسبون إلا على الهامش الأخير لهذه الحضارة الكبرى، فهم أصحاب دولة بابل الحديثة، التي سبقتها دول كبرى وعظمى، بدأت منذ منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، على يد السومريين
6
وكانت «أور» آنذاك دولة مدينة مستقلة
7
ذات شأن ومكانة، وظلت «أور» على مكانتها مع الدول التي تتابعت في المنطقة بعد السومريين، وظلت مدينة إدارية ودينية رفيعة الشأن، إبان حكم الأكاديين
8
Unknown page