فإن قال: إن حكم الذل مشتمل على مشهد الحرب ومن يصلاها؛ فكأنه ذهب بقوله " بين " إلى معنى وسطٍ: أي ومشهد وسط حكم الذل.
قيل: وسط لا يحل محل بين، وبين لا يحل محل وسط؛ لأنك تقول: البئر وسط الدار، ولا تقول: البئر بين الدار، وتقول: المال بيننا نصفين، ولا تقول: المال وسطنا، والمعنى الذي بنى أبو تمام البيت عليه سياقة لفظه أن يقول: ومشهدٍ بين حكم الذل وحكم العز: أي ومشهد بين الذل والعز، محجمٌ من يصلاه - وهو الذليل - أو مقدم - وهو العزيز - جليته وكشفته، يعني الممدوح؛ فخذف أحد القسمين الذي لا يصلح " بين " إلا به مع القسم الآخر، وجعل قوله " منقطع " في موضع محجم، و" متصل " في موضع مقدم، وليس هذا من مواضع متصل ولا منقطع، وقد أغراه الله بوضع الألفاظ في غير مواضعها من أجل الطباق والتجنيس اللذين بهما فسد شعره وشعر كل من اقتدى به، وقوله " وقد تفرعن في أفعاله الأجل " معنى في غاية الركاكة ولاسخافة، وهو من ألفاظ العامة.
وما زال الناس يعيبونه به، ويقولون: اشتق للأجل الذي هو مطلٌ على كل النفوس فعلًا من اسم فرعون، وقد أتى الأجل على نفس فرعون وعلى نفس كل فرعونٍ كان في الدنيا.