Muwafaqat
الموافقات
Investigator
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
Publisher
دار ابن عفان
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْفِعْلَ كَثِيرُ الشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ، وَمُفْتَقِرٌ إِلَى أَرْكَانٍ بِخِلَافِ التَّرْكِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ قَلِيلٌ، وَقَدْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقَصْدِ إِلَى التَّرْكِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ إِنَّمَا تَنْشَأُ بِمُقَدِّمَاتٍ، كَانَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ.
وَأَيْضًا؛ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّرْكِ كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ، مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، أَوْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، ﷺ: "إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" ١.
وَتَأَمَّلْ حَدِيثَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ٢ ﵄ يُبَيِّنْ٣ لَكَ هُوَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ -فِي الْمُبَاحِ عَلَى الْخُصُوصِ- لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ فَالْحِسَابُ يَتَعَلَّقُ بِطَرِيقِ التَّرْكِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِطَرِيقِ الْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ ثَبَتَ أَنَّ الْحِسَابَ إِنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى طَرِيقِ الْمُبَاحِ؛ فَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى نَفْسِ الْمُبَاحِ أَوْ إِلَيْهِمَا مَعًا؛ فَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ أَيْضًا سَوَاءٌ.
وَأَيْضًا؛ إِنْ كَانَ فِي الْمُبَاحِ مَا يَقْتَضِي التَّرْكَ؛ فَفِيهِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ التَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَام﴾ ... إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرَّحْمَنِ: ١٠-٢٢] .
١ قطعة من حديث أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ٤/ ٢٠٩/ ١٩٦٨، وكتاب الآداب، باب صنع الطعام والتكلف للضيف، ١٠/ ٥٣٤/ رقم ٦١٣٩"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر، ٢/ ٨١٣/ رقم١٨٢". ٢ سيأتي بلفظه وتمامه عند المصنف "٢/ ٢٤٧-٢٤٨"، والمذكور آنفا قطعة منه. ٣ في الأصل: "يتبين".
1 / 182