Muwafaqat
الموافقات
Investigator
أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان
Publisher
دار ابن عفان
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
وَأَيْضًا؛ فَتَسَاوِي الْأَدِلَّةِ١ أَوْ تَقَارُبُهَا أَمْرٌ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَرُبَّ دَلِيلَيْنِ يَكُونَانِ عِنْدَ بَعْضٍ مُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ، وَلَا يَكُونَانِ كَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضٍ؛ فَلَا يَتَحَصَّلُ لِلْعَامِّيِّ ضَابِطٌ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِيمَا يَجْتَنِبُهُ مِنَ الْخِلَافِ مِمَّا لَا يَجْتَنِبُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنَ الِاجْتِنَابِ أَوْ عَدَمِهِ رَاجِعٌ إِلَى نَظَرِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَاتِّبَاعُ نَظَرِهِ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ تَقْلِيدٌ لَهُ وحده، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْخِلَافِ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ هَذَا الْمُجْتَهِدُ يَدَّعِي أَنَّ قَوْلَ خَصْمِهِ ضَعِيفٌ لَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ، وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِيمَا إِذَا رَاجَعَ الْمُجْتَهِدَ الْآخَرَ؛ فَلَا يَزَالُ الْعَامِّيُّ فِي حَيْرَةٍ إِنِ اتَّبَعَ هَذِهِ الأمور، وهو شديد جدا، و"من يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ" ٢، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى السَّائِلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ جَوَابُهُ بَعْدُ.
وَلَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْوَرَعَ شَدِيدٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ الْتِزَامَ التَّقْوَى شَدِيدٌ؛ إِلَّا أَنَّ شِدَّتَهُ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ إِيقَاعِ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، بَلْ مِنْ جِهَةِ قَطْعِ مَأْلُوفَاتِ النَّفْسِ وَصَدِّهَا عَنْ هَوَاهَا خَاصَّةً.
وَإِذَا تَأَمَّلْنَا مَنَاطَ الْمَسْأَلَةِ؛ وَجَدْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْوَرَعِ الْخَاصِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَرَعِ بَيِّنًا، فَإِنَّ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْوَرَعِ سَهْلٌ فِي الْوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا فِي مُخَالَفَةِ النَّفْسِ، وَوَرَعُ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ صعب في الوقوع قبل النظر في
١ يدفع بهذا ما يتوهم وروده على قوله: "ولا يعلم هل تساوت أدلتهم ... " إلخ؛ فقد يقال: يرجع في ذلك إلى المجتهد ليعرف التساوي والتقارب؛ فقال هنا: إنه لا يتأتى الرجوع في ذلك له. "د". ٢ قطعة من حديث أوله: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ... "؛ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الإيمان، باب الدين يسر، ١/ ٩٣/ رقم ٣٩" عن أبي هريرة، ﵁.
1 / 165