من روائع التراث عن الحرمين الشريفين
مثير العزم الساكن
إلى أشرف الأماكن
للشيخ الإمام العالم العلامة
أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
المتوفى ٥٩٧ هـ
تقديم فضيلة الشيخ
حماد بن محمد الأنصاري
تحقيق
مرزوق علي إبراهيم
دار الراية
الطبعة الأولى
١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الشيخ، الإمام، العالم، الكامل، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ﵀:
الحمد لله الذي أنشأ فأحسن الإنشاء، ثم قدم بالاجتباء ما شاء، وصلى الله على محمد النبي [الأمي] الذي سبق الأنبياء، وعلا على من علا فنال العلاء، وصلى الله على أصحابه الذين فاقوا في الفضل الفضلاء، وعلى عمه العباس الذي أرسل الله [بدعائه] إذ سيل به [سيل] السماء، ونشر من ذريته الأئمة الخلفاء، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
1 / 55
فإني كنت أتوق إلى مكة قبل الحج؛ فداويت هذا الداء بالقصد، فزاد الشوق بعد الرجوع على الحد، وعلمت أن كثرة الترداد لا تزيد إلا شوقًا، كما أن لقيا المحبوب لا تزيد نار الوجد إلا وقدًا، ثم إني صادفت من هو أشوق مني؛ فشغلني ما رأيت من وجده عني؛ فاتفقنا في أصل الشوق، وافترقنا في [قدر] التوق، ورأيته كما قال الشاعر:
أحب الثرى النجدي من أجرع الحمى ... كأني لمن بالأجر عين نسيب
إذا هب علوي النسيم رأتني ... أغض جفوني أن يقال مريب
وكما قال الآخر:
أحن إلى نور اللوى في بطاحه ... وأظمأ إلى ري اللوى في هبوبه
وذاك الحمى يغدو عليلًا نسيمه ... ويمسي صحيحًا مآؤه في قليبه
وكما قال [آخر]:
يرنحني إليك الشوق حتى ... أميل من اليمين إلى الشمال
كما مال المعاقر عاودته حميا ... الكأس حالًا بعد حال
وتأخذني لذكركم ارتياح ... كما نشط الأسير من العقال
وأيسر ما ألاقي أن همًا ... يغصصني بذا الماء الزلال
1 / 56
وكما قال [آخر]:
وإني لأغري بالنسيم إذا سرى ... ويعجبني بالأبرقين ربوع
ويحني علي الشوق نجدي مزنةٍ ... وبرق بأطراف الحجاز لموع
ولا أعرف الأشجان حتى تشوقني ... حمائم ورق في الديار وقوع
فلما رأيت الزمان لا يواتي [على المطلوب]؛ فشرعت في التعلل بذكر المحبوب.
............... ... رب ذكرى قربت من نزحا
وها أنا أذكر من أخبار تلك الطريق وفضائل البيت العتيق، وإن كان الذكر سببًا للتشويق، لكنه كما قال القائل:
تداويت من ليلى بليلى ... ......................
وقد أتيت بذلك على ترتيب المنازل، وذكرت ما يختص بالمكان والوقت من الفضائل، وبينت فيه المشروع من المناسك، وحليت ذلك بالأحاديث الفائقة والأشعار الرائقة، ثم ذكرت من أخبار المدينة وزيارة الرسول ﷺ طرفًا يحوي طرفًا، ثم أتبعت ذلك بذكر الاتعاظ بالأجداث، وتلوته بمستحسن ما كتب على القبور، ثم ختمت الكتاب بكلمات من الحكم تتضمن مواعظ بليغة؛ ليكون هذا المجموع جامعًا للفن الذي قصدته مع أني قد أجريت فيه إلا
1 / 57
الاختصار، وحذف كثير من الأسانيد، ولو ذكرت كل ما قيل في هذه المعاني؛ لوقع الملل، غير أني تخيرت الأحسن، ولو رمت إسهابًا؛ لأتى الفيض بالمد، والله الموفق.
1 / 58