21

Mutawali Salih

المتوالي الصالح

Genres

إننا نود معرفة الجاني أو الجناة، وأن تصل يد العدالة إليهم فتقتص منهم لا أن نوسط فريقا من الوجهاء المداهنين الذين اتخذوا الرشوة وسيلة يتعيشون بها.»

فوقعت هذه الكلمات وقوع الصاعقة على شاكر أفندي، وكأنها قيلت له مع أن الشيخ صالح كان يقولها بإخلاص عن سلمان أحمد، ولم يعلم من أمر شاكر أفندي شيئا، فأجاب هذا بكلمات مبهمة، ثم اغتنم أول فرصة وانسحب من المجلس، وسار إلى القائمقام خلسة، فوصل إلى المعلقة بالعربة في آخر السهرة، وكان القائمقام لا يزال ساهرا، فأخبره شاكر أفندي بما كان. (1) من الجاني؟

بغت أهل العمروسة كلهم حينما سمعوا بمقتل صديقهم سمعان إلياس، وما كان أشد دهشتهم حينما رأوا الجنود تطوق منزل الهلالي، وتقبض على محمد الهلالي وعلى بعض المقربين منه، فلم يمانع أحد من هؤلاء، وساروا مع الجند عالمين ببراءتهم، راجين أن يطلق سراحهم حال وصولهم للمعلقة.

وكان التحقيق الذي جرى عند وجود الجثة غير كاف، وحاول القائمقام وصاحبه شاكر أفندي أن يستغلا هذه الحادثة حسب عادتهما، ولكن وقوف الشيخ صالح في وجهه، وتأييد وجهاء المسيحيين له حال دون ضياع معالم الجناية حسب العادة، ونجاح ذلك الحاكم الظالم ووسيطه الشرير.

وكان في زحلة رجل عرف ببعد النظر واستنباط الحيل لمعرفة الجناة، فكلفوه البحث والتحقيق بطريقة غير رسمية والدفاع عن الأبرياء؛ لأن سليم والشيخ صالح كانا متأكدين من براءة آل الهلالي، فذهب فارس أفندي هذا إلى العمروسة، وقضى يوما كاملا في البلدة، فعلم من أهلها كل ما يعرفونه من أمر التاجر وآل الهلالي، فعرف سر الجناية، ولكنه أراد أن يجعلها بشكل قانوني، فعاد إلى المعلقة، وقد اجتمعت لديه معلومات تنفي الشبهة عن آل الهلالي وغيرهم من المتهمين، وتوقع الشبهة على ذلك الوجيه الكذاب الذي عمل القائمقام بأقواله، وألقى القبض على محمد الهلالي بناء على كتابه.

وكان بين رجال الجندرمة في المعلقة رجل نشيط متعلم، تعود مطالعة أخبار البوليس السري والطرق المختلفة التي كانوا يستعينون بها، فقابله فارس أفندي واتفق الاثنان على أن يعيدا النظر في هذه الحادثة من أولها لمعرفة حقيقتها، فذهبا إلى حيث وقعت الحادثة، ودرسا المكان وما حوله، فوجدا أنه يستحيل في مثل ذلك المضيق الذي وقعت فيه أن يجتمع أكثر من رجلين في وقت واحد وأن القتيل كان مترجلا يقود جواده حينما دهمه القاتل من وراء صخر عند منعطف الطريق، فأخذه على حين غرة، وطعنه بخنجر طعنة نجلاء، ثم أجهز عليه وتركه يتخبط بدمه.

فعاد الاثنان إلى زحلة، وطلبا الإذن من أهل القتيل لفتح المدفن ومعاينة الجراح التي كانت قاتلة، فلاحظا أن الضربة الأولى كانت في الصدر قرب الثدي الأيمن، وهنالك خدوش في العنق تدل على أن القاتل أمسك بعنق المجني عليه وطعنه بخنجره، فكانت الخدوش في الجهة اليسرى من أعلى الكتف والعنق، والطعنة فوق الثدي الأيمن وبانحراف داخلي إلى جهة اليسار، ولاحظا أن أظافر القتيل مهشمة فاستدلا من ذلك أنه أمسك بتلابيب خصمه حينما دهمه ليفتك به.

ولاحظا أن الضربة الثانية كانت بذات الآلة في ظهر القتيل بعد أن أكب على الأرض، وقد أصابت الجانب الأيسر مع انحراف إلى اليمين، وكأن القاتل حاول بهذه الطعنة أن يتأكد من موت عدوه، فطعنه هذه الطعنة القاتلة، ثم فر هاربا تاركا كل شيء وراءه.

فتحقق لديهما أولا: أن القاتل أعسر، وثانيا: أن الجريمة لم ترتكب بقصد السرقة، واستنتجا أيضا أن قتل رجل طيب ليس له عدو في تلك الجهة لم يقصد به إيقاع الأذى به بل بآخرين للتشفي والانتقام، ثم إن إرسال كتاب من سليمان أحمد يتهم فيه محمد الهلالي جعلهما يحولان الشبهة نحوه، فإذا لم يكن هو القاتل بعينه، فقد يكون أحد أعوانه وأخصائه المقربين.

فاتفق الاثنان على زيارة سلمان أحمد بحجة أنهما يريدان مساعدته لمعرفة الحقيقة ومساعدة الحكومة على اكتشاف سر هذه الجريمة الشنعاء.

Unknown page